5- مدينة القدس.. تاريخ يعيد نفسه وآلام
ما زالت تتجدد وسط الحلم بالحرية :-
المصدر: بقلم/ م. محمود أحمد الكردي:
منذ عام (492 هـ) (1099) ميلادية
ودماء العرب بمدينة القدس ارتوت بها الأرض
بيد الحملة الفرنجية التي ضمّت الشباب
المجرم الذي أزعج أوروبا بالقتل والسلب
والنهب حيث كانت تسودها الفوضى من مشاكل
اجتماعية واقتصادية وسياسية وفروق شاسعة
بين الطبقات فأراد البابا (إربان
الثاني) التخلّص من الشباب المجرم فأثار
مشاعرهم بالوعد بالغفران لكلّ من يذهب
لتحرير القبر المقدّس من يد المسلمين.
فقاد الإمبراطور (األكسيوس) البيزنطي
حملة عسكرية وضمّ المجرمين معهم وتخلّصت
أوروبا منهم فهزم الأتراك وزحفوا إلى
مدينة القدس وهدموا الأسوار الخارجية
وتسلقوا الأسوار الداخلية.
وهجموا على سكان المدينة وقتلوا جميع
أهلها من مسلمين ومسيحيين وألقوا بجثثهم
خارج القدس وأصبحت الشوارع والأزقة
والحارات مليئة بالدماء. واستولوا على
جميع المساكن وما تحويه، وتمّت هذه
المجزرة في عام (1099 م). بعدما كان
أهلها من المسلمين والمسيحيين يعيشون في
محبة وإخاء منذ تسلّم مفاتيح القدس سيّدنا
عمر بن الخطاب من البطريرك (صفرمينوس)
بتاريخ (12 هـ) (637 م).
وشاء الله أنْ يولد صلاح الدين بمدينة
كريت في عام (532 هـ) في وسطٍ عائليّ
من المجاهدين، وفي صباه وجد كبار العائلة
يرتدون العمائم السوداء حزناً على استعمار
الفرنجة لمدينة القدس وضياع كرامة
العرب. فجنّد صلاح الدين نفسه لخدمة
الوطن مع أقاربه. وشعوره بالوطنية مع
مرّ أيام عمره تمّت وترعرعت ونية تحرير
القدس في قلبه سكنت وانتظر اليوم الموعود
لتحقيق رغبته.
مرت الأيام وتولى صلاح الدين قيادة الجيوش
العربية في عهد الملك المجاهد. فبداية
أمانيه تحققت. وعندما توفي الملك
المجاهد تولّى صلاح الدين سلطته عام
(567 هـ).
وبعدما تمكّن من الحكم اتّخذ مصر عاصمةً
لمملكته. واهتمّ بجميع النواحي
الاجتماعية وتحصين مصر بالأسوار والسدود
وإقامة القلعة وإنشاء أول مدرسة في مصر
للتعليم. وبالرغم من كثرة الأعمال كان
فكره مشغولاً بتحرير القدس.
فترك كرسي السلطة بتاريخ (11 مايو عام
1182م) وعهد بتكملة مشروعاته لرجالٍ من
الصالحين، وانقطع للجهاد الأعظم في سبيل
الله والوطن. وتهيئة العالم العربي
للكفاح المقدس وإعداد ما استطاع من قوة
ليرهِب عدو الله وتحرير بيت المقدس وردها
لأهلها وللعالم العربي. ظلّ يتنقّل بين
أنحاء مملكته لاختيار رجالٍ من المدرّبين
على القتال. وعندما اطمأن على القوة
اللازمة، حارب ملوك أوروبا بعزيمة وقوة
إيمان، وانتصر عليهم وحاصر مدينة القدس
حصاراً محكماً حتى دخلها وجنوده الأبطال
مهلّلين مكبّرين في يوم الجمعة ليلة
الإسراء والمعراج (583 هـ) (2
أكتوبر1187) وأقاموا صلاة شكرٍ لله
بالمسجد الأقصى ودقّت أجراس الكنائس
تعبيراًَ عن المحبة والإخاء كتعاليم الدين
الإسلامي والمسيحي. أعاد صلاح الدين
بحسه الوطني مدينة القدس بعد الاستيلاء
عليها (93 سنة) وردّ كرامة العرب ورفع
رأسهم. وابتدأ في تعمير المدينة وتمهيد
طرقها وترميم مبانيها من مساجد وأديرة
وكنائس.
جاهد صلاح الدين طوال حياته لا باحثاً عن
مال أو شهرة ووافته المنية بعد ستّ سنوات
من تحرير القدس وانتقل إلى رحمة الله
مرضياً بعد أنْ أدّى الرسالة والأمانة
حاكماً عادلاًً. وترك دولةً تمتدّ من
الدجلة إلى النوبة وإلى برقة ودفن بدمشق
في (مارس 1192) ووجدوا في خزائنه
ديناراً واحدا وسبعة وأربعين درهماً.
لأنّه عاش زاهداً بالمال لأنّه في صباه
سمع عن خطبة لرسول الله -صلى الله عليه
وسلم- حذّر فيها المسلمين من الخطر
المادي، فرُوِيَ أنّه قال: (ما الفقر
أخشى عليكم، ولكن أخشى أنْ تبسط عليكم
الدنيا كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها
كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم)...
رحم الله صلاح الدين. والتاريخ يعيد
نفسه فنزيف الدم العربي يجري بأرض فلسطين
واستعمرتها "إسرائيل" وأصبحت خراباً منذ
أيار 1948 وعاد الاستعمار والسيطرة
وإراقة الدماء العربية بأرض العراق
والعالم العربي غمرته سود الأهاويل وينتظر
التحرير والسلام من جديد.