شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف "أبو
المعالي المقدسي"
علم من بيت المقدس
من أهم العلماء المدفونين في مقبرة مأمن
الله
شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف
أبو المعالي المقدسي
(822-906هـ)-(1419-1501م)
بحث وتحقيق
عبد اللطيف زكي أبو هاشم
مدير دائرة المخطوطات والمكتبات والآثار
فلسطين – وزارة الأوقاف
مكانة العلماء في كل أمة مكانة كبيرة، لا
يستطيع أن يقلل منها أحد، فالعلماء هم
مصابيح الهدى، وهم الذين يأخذون بيد الأمة
لتنهض، العلماء والحكام إذا صلحوا صلح
الناس وإذا فسدوا فسد الناس، وهم محور
ارتكاز الأمة، فأينما تجد أمماً حيةً، فتش
عن علمائها ومكتباتها ومؤلفاتها، وإذا
رأيت أمة منكوبة مهزومة ضعيفة فلا تعجب
ألا تجد فيها علماء وإن وجدوا فهم في ذيل
القافلة، فالعلماء هم ورثة الأنبياء
والموروث يعني به الرسول صلى الله عليه
وسلم هو العلم والهداية للبشر كافة، وعلى
العلماء أن يقوموا بدور الأنبياء لأنهم
ورثوا عنهم ميراثهم وهو العلم والهداية
التي هي من أخص خصوصيات النبوة، في هذه
العجالة أردت أن أعرف بعالم رباني من بيت
المقدس، كان له فضل كبير في العلم
والسياسية والدعوة والتدريس، بل يعتبر
مدرسة في المعقول والمنقول، إنه شيخ
الإسلام الكمال بن أبي شريف من كبار علماء
بيت المقدس ورأس علماء الإسلام في عصره
بلا مدافعة حسب قول المؤرخ الكبير علاء
الدين البصروي"1"
مولده ونشأته:
ولد الشيخ محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي
بن أبي شريف المقدسي، أبو المعالي كمال
الدين ابن الأمير ناصر الدين سنة اثنتين
وعشرين وثمانمائة(1) وينتسب في مذهبه إلى
الشافعي. (2)
وقد نعتته كتب التراجم التي ترجمت لحياته
ككتاب شذرات الذهب لابن العماد والكواكب
السائرة للغزي، والضوء اللامع للسخاوي،
والبدر الطالع للشوكاني والأنس الجليل"2"،
والفتح المبين للمراغي بـ(شيخ الإسلام)،
واشتهر بابن عوجان. (3)
وهذه الرتبة لا تطلق إلا على من استوفى
جميع الشروط التي تؤهله لأن يكون شيخاً
للإسلام حقيقة، فلابد أنه كان متضلعاً في
جميع علوم الشريعة الغراء، من علوم القرآن
وتفسيره وعلوم الحديث ومصطلحه ورجاله،
وعلم الفقه وأصوله، وحينما نقرأ سيرة حياة
هذا الرجل نرى كيف أنه كان متضلعاً
ودارساً لجميع هذه العلوم، فنفسه لم تملَّ
من الدراسة والقراءة، والأخذ عن العلماء
أينما ذهب وحيثما حل. كان من المنهومين
الذين لا يشبعون من العلم، فكما قال
الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: "منهومان
لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا"، فكان
الشيخ الكمالي من الصنف الأول الذي لا
يشبع من العلم.
وقد وصف نشأته أدق وصف تلميذه مجير الدين
الحنبلي في الأنس الجليل فقال: "... نشأ
في عفة وصيانة، وتقوى وديانة لم يُعلم له
صبوة، ولا ارتكاب محظور، وحفظ القرآن
العظيم والشاطبية، والمنهاج للنووي،
وعرضها على قاضي القضاة شيخ الإسلام محب
الدين بن سعد الله الحنبلي وقاضي القضاة
سعد الدين الديري الحنفي، وشيخ الإسلام عز
الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين
وثمانمائة".(4)
بعد أن أتم الكمال قراءة القرآن الكريم
وحفظه ودراسة حزر الأماني في القراءات
وحفظها (الشاطبية) والمنهاج في الفقه
الشافعي، لم يكتفِ الكمال بذلك، فمكث يدرس
ويحفظ الكتب المهمة والتي ينبغي له
قراءتها وحفظها، فحفظ ألفية ابن مالك
الأندلسي في النحو وهي في ألف بيت من
الشعر وقد اعتنى بها العلماء دراسة وحفظاً
وشرحاً وأوصوا تلاميذهم بقراءتها وحفظها
أيضاً، لأن علم اللغة والنحو بالذات هو
وسيلة مهمة لفهم لغة القرآن الكريم وفهم
مقاصد الشارع أيضاً.
وحفظ أيضاً ألفية الحديث، وهي من تأليف
الشيخ المحدث العلامة زين الدين العراقي
الذي جمع علم مصطلح الحديث في ألف بيت،
احتذى فيها عن سبق كابن مالك الأندلسي في
ألفيته في النحو، وألفية العراقي هذه
اعتنى علماء الشريعة بها أيضاً وشرحوها
وحفظوها وقرأ الشيخ الكمالي القرآن بعدة
قراءات على الشيخ أبي القاسم النويري وسمع
عليه وقرأ العربية وأصول الفقه والمنطق
واصطلاح الحديث والتصريف والعروض
والقافية، وأذن له في التدريس فيها (أي في
هذه العلوم)، سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
(5)
وازداد الشيخ الكمالي ملازمة للشيوخ كي
يتم التحصيل ويُجاز بالإجازات "فتفقه
بالشيخ زين الدين بن ماهر، والشيخ عماد
الدين بن شرف، وحضر عند الشيخ شهاب الدين
بن أرسلان، والشيخ عز الدين المقدسي،
واشتغل في العلوم، ورحل إلى القاهرة سنة
أربع وأربعين وأخذ عن علماء الإسلام منهم:
شيخ الإسلام ابن حجر، وكتب له إجازة ووصفه
بالبارع الأوحد، وقال: "شارك في المباحث
الدالة على الاستعداد، وتأهل لأن يفتي بما
يعلمه ويتحققه من مذهب الإمام الشافعي من
أراد، ويفيد العلوم الحديثية مما يُستفاد
من المتن والإسناد علماً بأهليته لذلك
وتولجه في مضائق تلك المسالك".(6)
وأخذ عن شيوخ آخرين في مصر هم: كمال الدين
بن الهمام، وقاضي القضاة شمس الدين
القاياتي، والمقر البغدادي وغيرهم.(7)
واستمر شيخ الإسلام ابن أبي شريف في الدرس
والتحصيل وملاقاة أعاظم الشيوخ في كل مكان
حل فيه. "ودرس وأفتى من سنة ست وأربعين
وثمانمائة ونظم وأنشأ".(8)
هذا إن دل على شيء فإنما يدل على الذهن
المتوقد والنضوج المبكر لدى ابن أبي شريف،
ففي هذا السن الذي لم يتجاوز الرابعة
والعشرين يتصدر للدرس والإفتاء.
ولكن هذا النابغة لم يساوره الغرور، أو
يستدرجه النبوغ بل سار لكل جد واجتهاد
ينهل من معين العلم ويلج بحاره الواسعة،
فيذهب ليسمع على محدثي عصره كابن حجر
والزركشي وابن الفرات.
وحينما ذهب للحج في سنة ثلاث وخمسين
وثمانمائة وكان قد بلغ الواحدة والثلاثين
من عمره آنذاك، وجهه طموحه العلمي لأن
يسمع الحديث على شيوخ الحجاز بمكة
والمدينة، فتراه يذهب ليأخذ عن محدثيها
فقد (... سمع بالمدينة الشريفة على المحب
الطبري وغيره ولم يزل حاله في ازدياد،
وعلمه في اجتهاد فصار نادرة وقته وأعجوبة
زمانه، إماماً في العلوم، محققاً لما
ينقله وصار قدوة بيت المقدس ومفتيه، وعين
أعيان المعيدين بالمدرسة الصلاحية". (9)
ونلاحظ في تلك الفترة وبعدما طار صيت
الشيخ الكمالي في جميع الأقطار الإسلامية،
وبالأخص مصر وفلسطين، نرى من خلال دراستنا
لحياته وشخصيته بأنه قد تواضع له العلماء
والأمراء والملوك فنرى بأن السلطان آنذاك
يطلب الاجتماع به لأنه سمع عنه فأراد أن
يعرف مكانته في العلم.
"فلما قدم إلى السلطان نزل عن سرير الملك،
وتلقاه وأكرمه وفوض إليه الوظيفة المشار
إليها وألبسه التشريف". (10)
والوظيفة التي فوضها السلطان إلى شيخ
الإسلام هي مشيخة المدرسة الصلاحية في
القدس الشريف.
الوظائف التي تقلدها ابن أبي شريف:
بعد أن تقلد شيخ الإسلام الكمالي مشيخة
المدرسة الصلاحية في القدس الشريف، باشر
بالتدريس فيها وتصدر للدرس والإقراء
والإفتاء في بيت المقدس. "ونظر على
المدرسة الصلاحية وعمرها هي وأوقافها التي
أوقفت عليها، وشدد على الفقهاء وحثهم على
الاشتغال، وعمل بها الدروس العظيمة". (11)
وكان النظام الذي اتبعه ابن أبي شريف
للتدريس في ذلك الوقت هو أربعة أيام في
الأسبوع، فكان يدرس الفقه والتفسير
والأصول والخلاف بين المذاهب. "وأملى بها
مجالس من الأحاديث الواقعة في مختصر
المزني واستمر بها أكثر من سنتين، ثم
استقر فيها شيخ الإسلام النجمي ابن جماعة
في شهور سنة ثمان وسبعين كما تقدم ذكره
فلم يهتم بها بعد ذلك" (12)
"ثم توجه الشيخ الكمالي إلى القاهرة
واستوطنها، وتردد إليه الطلبة والفضلاء،
واشتغلوا عليه في العلوم وانتفعوا به،
وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته عند السلطان
وأركان الدولة، وفي شوال سنة ثمان وثمانين
حضر إلى القدس الشريف زائراً، ثم توجه إلى
القاهرة في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين
كما تقدم ذكره "3" من هدم المدرسة
الأشرفية القديمة وبناء المدرسة المستجدة
المنسوبة لملك العصر، مولانا السلطان
الأشرف وانتهت عمارتها، وقدر الله تعالى
وفاة الشيخ شهاب الدين العميري، قبل تقرير
أمرها وترتيب وظائفها برز أمر السلطان
باستقرار شيخ الإسلام الكمالي فيها، وطلبه
إلى حضرته وشافهه بالولاية وسأله من
القبول فأجاب لذلك، وألبسه كاملية بسمور
"4" وحضر إلى القدس الشريف، هو ومن معه من
أركان الدولة الشريفة وباشرها وحصل
للمدرسة المشار إليها وللأرض المقدسة بل
ولسائر مملكة الإسلام، الجمال والهيبة
والوقار بقدومه وانتظم أمر الفقهاء وحكام
الشريعة المطهرة بوجوده وبركة علومه.
أعماله التي قام بها:
وأهم هذه الأعمال بالنسبة لعالم مثل ابن
أبي شريف هي نشر العلم بين الناس وحثهم
على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فنرى ابن أبي شريف يقوم بهذه المهمة وتلك
الأمانة على أتم وجه، "وازداد شأنه عظماً،
وعلت كلمته، ونفذت أوامره عند السلطان فمن
دونه، وبرزت إليه المراسيم الشريفة في كل
وقت، بما يحدث من الوقائع والنظر في أحوال
الرعية، وترجم فيها بالجناب العالي، شيخ
الإسلام ووقع له ما لم يقع لغيره ممن
تقدمه من العلماء والأكابر وبقي صدر
المجالس وطراز المحافل، المرجع في القول
إليه، والتعويل في الأمور كلها عليه،
وقلده أهل المذاهب كلها، وقبلت فتواه على
مذهبه، ومذهب غيره، ووردت الفتاوى إليه من
مصر والشام وحلب وغيرها وبعد صيته،
وانتشرت مصنفاته في سائر الأقطار، وصار
حجة بين الأنام في سائر ممالك الإسلام،
ومن أعظم محاسنه التي شكرت له في الدنيا
ويرفع الله بها درجاته في الآخرة، ما فعله
في القبة المستجدة عند دير صهيون وقيامه
في هدمها بعد أن كانت كنيسة محدثة في دار
الإسلام، في بيت المقدس وقيامه من منع
النصارى من انتزاع القبو المجاور لدير
صهيون، المشهور أن به قبر سيدنا داود عليه
السلام بعد بقائه في أيدي المسلمين مدة
طويلة، و بنا قبلة فيه، لجهة الكعبة
المشرفة، وكان يقوم على حكام الشرطة
ويمنعهم من الظلم ويواجههم بالكلام الزاجر
لهم". (14)
وبعد ذلك الوقت يرد عليه مرسوم شريف بأن
يكون متكلماً على الخانقاه الصلاحية "5"
بالقدس الشريف ينظر في أمورها ومصالحها.
"وشرع في عمارة الخانقاه وإصلاح ما اختل
من نظامها، وأضيف إليه التكلم على المدرسة
الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته
وورعه، واجتهاده في فعل الخيرات وإزالة
المنكرات". (15)
قوة شخصيته وتقواه وورعه:
أدق من وصف شخصية شيخ الإسلام الكمالي هو
تلميذه مؤرخ القدس والخليل الشيخ مجير
الدين العليمي الحنبلي صاحب كتاب الأنس
الجليل بتاريخ القدس والخليل فقال عنه في
الجزء الثاني ما نصه: "وأما سمته وهيبته،
فمن العجائب في الأبهة والنورانية، رؤيته
تذكر بالسلف الصالح، ومن رآه علم أنه من
العلماء العاملين، برؤية شكله، وإن لم يكن
يعرفه، وأما خطه وعبارته في الفتوى فنهاية
في الحسن". (16)
ووصفه شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني
بالبارع الأوحد كما قال ابن العماد
الحنبلي في شذرات الذهب". (17)
ووصفه صاحب الضوء اللامع فقال: "... ترجم
له البقاعي أكثرهم ووصفه (الوصف لابن أبي
شريف) بالذهن الثاقب والحافظة الضابطة
والقريحة الوقادة والفكر القويم والنظر
المستقيم وسرعة الفهم وبديع الانتقال وكما
المروءة مع عقل وافر وأدب ظاهر وخفة روح
ومجد على سمته يلوح وأنه شديد الانقباض عن
الناس غير أصحابه". (18)
وقال عنه الشوكاني: "... وبرع في العلوم
وعُرف بالذكاء وثقوب الذهن وحسن التصور
وسرعة الفهم وتصدى للتدريس واجتمع عليه
جماعة لقراءة جمع الجوامع للمعلي". (19)
كراماته:
الكرامة كما هو معروف شيء خارق للعادة
يجريه الله على يد ولي من أوليائه
الصالحين، وصار معلوماً عند أهل الحق بأنه
يجوز انخراق العادات في حق الأولياء."^"
ولا يستطيع أحد أن يشكك في صلاح الكمال
ابن أبي شريف فهو العالم المحقق الحجة
الثبت التقي الورع الآمر بالمعروف والناهي
عن المنكر، الناشر للعلم، الحافظ لأمانته،
فلم لا يكون ولياً !!
ذكر الشيخ نجم الدين الغزي شيئاً من
كراماته فقال: "... ذكر ابن الحنبلي
الحلبي في تاريخه عن شيخه العلامة شمس
الدين الضيروطي المصري أنه توجه مع الشيخ
نور الدين المحلي إلى الشيخ محمد الجلجولي
المعروف بأبي العون أنه من أهل العلم فقال
له الشيخ أبو العون كلاماً معناه أنه لا
ينبغي لمن آتاه الله تعالى شيئاً من فضله
أن يخفيه عن الناس ثم إنه فرش له بساطاً
كان في يده، وأجلسه عليه قال: وسأله الشيخ
نور الدين عن الكمال ابن أبي شريف الموافق
له في الأخذ عن ابن رسلان فقال الشيخ أبو
العون: قد رأينا مكتوباً على ساق العرش
محمد بن أبي شريف من المحبين لأولياء الله
تعالى". (19)
وهذه المنقبة (الكرامة) انفرد بها الغزي،
دون كتب التراجم التي ترجمت للكمال ابن
أبي شريف.
ونرجع مرة أخرى إلى تلميذه مجير الدين
فيقول عن شيخه الكمالي "وبالجملة، فمحاسنه
أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهو
أعظم من أن ينبه على فضله، ولو ذكر حقه في
الترجمة، لطال الفضل، فإن مناقبه، وذكر
مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف. (20)
مؤلفاته:
بطبيعة الحال لم يعتمد شيخ الإسلام ابن
أبي شريف على المشافهة والإملاء فقط ولكنه
اعتمد أيضاً على الكلمة المكتوبة فصنف
وأملى، وكتب حواشي على الكتب وشرح على
المختصرات.
ذكر الزركلي من مصنفاته خمسة كتب وذكر من
رسالة لم أجدها قد ذكرت في الكتب التي
ترجمت له وهي "صوب الغمامة في إرسال طرف
العمامة- خ)"7"، وهي مخطوطة في شستر بيتي
تحت رقم 4249/2". (21)
ويقول الزركلي بأنه رأى مخطوط آخر بخط
مؤلفه (ابن أبي شريف) في خزانة الليثي
بمركز الصف بمصر، بعنوان (الفرائد في حل
شرح العقائد) كتبت سنة 889هـ بمنزله
بالقاهرة. (22)
وقد تطابقت معظم كتب التراجم التي ترجمت
له في أسماء مؤلفاته إلا السخاوي فقد ذكر
مؤلفاً آخر له وهو عن أبي حامد الغزالي
وقد انتقده عليه.
مؤلفاته حسب ما جاءت في ترجمته:
1- الإسعاد بشرح الإرشاد في الفقه.
2- الدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع في
الأصول.
3- الفرائد في حل شرح العقائد.
4- المسامرة بشرح المسايرة.
5- قطعة على تفسير البيضاوي.
6- قطعة على شرح المنهاج للنووي.
7- قطعة على صحيح البخاري.
8- قطعة على صفوة الزبد للشيخ شهاب الدين
بن أرسلان.
9- فتاوى في واقعة قبر داود وهي موجودة في
مكتبة الجامعة العبرية في القدس تحت رقم
8990 مجموعة يهودا.
شعره:
قال صاحب الأنس: ومن إنشائه في بيت المقدس
بعد غيبة عنه مدة طويلة:
أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا
فتلك باع الأنس في زمن الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلاً
سلامي على تلك المعاهد والربا
وقال أيضاً عنه: وقد سمعتها من لفظه، بدرب
القدس الشريف حين عودته من غزة المحروسة
في شهر ذي القعدة الحرام، سنة تسعمائة
وأجارني روايتها عنه" (23)
وذكر السخاوي من شعره فقال: "ومما كتبته
من نظمه قوله يخاطب الكمال بن البازي:
يا من له اكتست المعالي زمعة
قد حازها فغدت لأكرم حائز
والحسود إلى كمالك مرتقي
كم بين ذاك وبينه من حاجز
هل يستطيع معاند أو حاسد
إبداء نقص في الكمال البارز (24)
وفاته:
توفي شيخ الإسلام كمال الدين أبو المعالي
محمد بن أبي شريف الشافعي في ليلة الخميس
خامس عشر جمادى الأولى سنة (906) من
الهجرة الشريفة، بمنزله بالمدرسة
التنكزية، وصلى عليه بعد الظهر من يوم
الخميس بالمسجد الأقصى الشريف ودفن بماملا
بالحوش الذي به قبر الشيخ خليفة المغربي
وكانت جنازته حافلة، رحمه الله. (25) وقدر
زاره العلامة النابلسي في أثناء رحلته
لبيت المقدس فقال : "ثم زرنا قبر الكمال
بن أبي شريف، وقرأنا له الفاتحة " "8"
وهكذا توفي شيخ الإسلام الكمال بن أبي
شريف فترك وراءه ذرية صالحة تدعو له"9"،
وترك أيضاً كتباً نافعة لا زال يتداولها
رجال العلم جيلاً بعد جيل، وكان حقاً قد
ترك علماً ينتفع به الناس إلا وهو مصنفاته
وكتبه والاتعاظ بسيرته وحياته.
هـوامـش
1-الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة،
للشيخ نجم الدين الغزي، حققه وضبطه د.
جبريل جبور، بيروت: دار الآفاق الجديدة،
1972، ج1/ص11.
2-تراجم مقبرة ماملا، جمع نصوصها ورتبها
وضبط حروفها: فهمي الأنصاري، القدس: قسم
إحياء التراث الإسلامي، نشرة رقم (6)،
ص203."10"
3-شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي
(ت1089)، بيروت: دار الآفاق الجديدة،
د.ت،ن، سلسلة ذخائر التراث العربي،
ج8/ص29.
4-تراجم ماملا ص204.
5-نفس المصدر.
6-نفس المصدر ص205.
7-نفس المصدر.
8-نفس المصدر.
9-نفسه المصدر ص206.
10-نفس المصدر ص207.
11-نفس المصدر.
12-نفس المصدر 208-209.
13-المصدر نفسه 208-209.
14-المصدر نفسه 209-210.
15-المصدر نفسه 211.
16-المصدر نفسه 212.
17-شذرات الذهب 8/30.
18-الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس
الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي،
القاهرة: مكتبة القدس، 1355هـ، ج9/ص65.
19-البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن
السابع، شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني
(ت1250هـ)، القاهرة: مطبعة السعادة،
1348هـ. 2/243.
20-الكواكب السائرة 1/12.
21-تراجم ماملا 92.
22-الأعلام، خير الدين الزركلي، ط7،
بيروت: دار العلم للملايين، 1986م، 7/53.
23-تراجم ماملا 920.
24-الضوء اللامع 9/66-67.
25-مخطوط ذكره الأنصاري في تراجم ماملا
(ترجمة ابن أبي شريف).
المراجع والمصادر
1 - انظر : الحضرة الأنسية في الرحلة
القدسية للشيخ العارف عبد الغني النابلسي
ص316 " ت : 1143هـ " ، تحقيق ودراسة :
أكرم حسن العلبي ، بيروت : دار المصادر ،
1990م .
2- الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل:
مجير الدين العليمي الحنبلي، القاهرة،
المطبعة الوهبية، ج1، ج2.
3 - كما تقدم ذكره في الأنس الجليل وهذه
الصفحات تسبق ترجمة مجير الدين الحنبلي
للشيخ الكمالي.
4 - كاملية بسمور: هو ثوب مصنع من الصوف
أو السمور ضيق عند الكم واسع عند الذيل
وهو حلة الملك. انظر: ماير، الملابس
المملوكية ص25.
5 - الخانقاه الصلاحية: هو مكان يقيم فيه
المتصوفة ويخصص للذكر والعبادة.
6- انظر بهذا الصدد "كتاب الإرشاد إلى
قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد لإمام
الحرمين الجويني ص266، تحقيق: أسعد تيم،
بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، 1985م.
7 - توجد نسخة أخرى من هذه الرسالة ضمن
مجموع في مركز الأبحاث الإسلامية تحت رقم
(1) القدس، وهي بعنوان يختلف قليلاً عما
ذكره الزركلي وأصح منه، عنوان المخطوطة هو
(صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة)، وليس
إرسال العمامة لأنه من السنة إرسال طرف
العمامة وهو ما يسمى بالعذبة فهناك رسالة
للشيخ زين الدين العراقي بعنوان "في
العمامة والعذبة وليس الرسول صلى الله
عليه وسلم، وانظر في هذا المجال كتب
الحديث والفقه (باب اللباس والتختم).
8 - الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية
ص316 – مصدر سبق ذكره .
9- أحفاد الكمال بن أبي شريف ما زالوا
موجودين إلى اليوم ويوجد قسم منهم في مصر
وقسم آخر في فلسطين وفي القدس بالذات.
10 - أخذ الأنصاري ترجمته عن الأنس الجليل
ج1 الوهبية ج2، من ص706-711، ولكنه صحح ما
ورد من أخطاء في هذه الترجمة فلذلك اعتمدت
عليها.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>..
توفيق بشارة كنعان
المصدر: مجلة فلسطين المسلمة- العدد
الثامن- السنة السادسة والعشرون- 2008م:
(1882-1964م)
وُلِد توفيق كنعان في بلدة بيت جالا عام
1882، درس الابتدائية في بلدته في مدرسة
(شنلر) بالقدس، أمضى ثلاث سنوات ونصف في
دار المعلمين، ثم التحق بالجامعة
الأمريكية ببيروت، فتخرّج طبيباً عام
1905، ثم عاد إلى الوطن ليعمل مساعداً في
المستشفى الألماني وفي المستشفى
الإنجليزي، وعمل طبيباً مقيماً في بلدته.
درس علم الجراثيم والأمراض الاستوائية مع
الدكتور مولنز، وأمراض الدرن مع
البروفيسور موخ، وأصبح رئيساً لدائرة
الملاريا التابعة لمكتب الصحة العالمي،
وعمل طبيباً في الجيش التركي بمدينة
الناصرة خلال الحرب العالمية الأولى،
ورئيساً للمختبرات الطبية من بئر السبع
جنوباً حتى حلب شمالاً، بعد عام 1918
افتتح عيادةً خاصة به، بالإضافة إلى عمله
كطبيب لمستشفى البرص (1918-1947)، ورئاسته
لدائرة الطب الباطني في المستشفى الألماني
بالقدس.
وفي عام 1927 أصبح رئيساً لجمعية
الاستشراق الفلسطيني، ورئيساً لتحرير
مجلتها. وبعد نكبة 1948 أصبح (كبير
الأطباء) في المستشفيات العربية،
والمستشفى الروسي، والمستشفى النمساوي،
ومستشفى العيزرية ومستشفى بيت لحم. وفي
عام 1950 أصبح مديراً لمستشفى
أوغستافكتوريا الألماني في القدس.
أسس الجمعية الطبية العربية في فلسطين،
وكان رئيسها ومحرّر مجلتها (Palestine
Medical Journal) وأمين سر (جمعية
المستشرقين الفلسطينيين)، وعضواً في مدرسة
(الأبحاث الشرقية) بالقدس.
أجاد الدكتور توفيق كنعان ستّ لغات هي:
العربية والألمانية والإنجليزية والفرنسية
والتركية والعبرية. وكان له اهتمام
بالفلكلور الشعبي الفلسطيني والعربي،
والتطوّر السياسي لفلسطين. كتب عشرات
المقالات التي توضح حقيقة القضية
الفلسطينية، وما يُحاك من مؤامرات تستهدف
زرع كيانٍ يهودي على أرض فلسطين. من
مؤلفاته: "الموت أم الحياة" عام 1908،
"الطب الشعبي" عام 1914، "أولياء المسلمين
ومقدساتهم" عام 1927، "قضية عرب فلسطين"
عام 1936، "الصراع في أرض السلام" عام
1938.
توفّي توفيق بشارة كنعان عام 1964 في
القدس.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
يوسف أفندي الإمام
المصدر: كتاب أعلام فلسطين أواخر العهد
العثماني، للدكتور عادل منّاع:
(1266-1321ھ/1849-1903م)
إمام ومفتي الشافعية في القدس في أواخر
العهد العثماني، ومدرّس الحديث والتفسير
في المسجد الأقصى ومدارس الحرم باللغتين
العربية والتركية.
هو نجل الشيخ أسعد الإمام. درس على والده
وعلى غيره من علماء القدس علوم اللغة
العربية والفقه وغيرها. وسار على خطى
والده، وأخذ يقوم مقامه في إمامة الشافعية
في سنٍّ مبكرة. وكان له صوتٌ رخيم ساهم في
اختياره وارثاً لوالده في وظائف الإمامة
ثم إفتاء الشافعية. وحين توفّيَ محمد علي
أفندي الخالدي وكتب والده قصيدة في رثائه
أوكل نجله لتلاوتها أمام العلماء والأعيان
في الأقصى، وكان ابن خمسة عشر عاماً فقط.
وقد كان للقصيدة وطريقة إلقائها وقْعٌ
قويّ في نفوس الحاضرين ﻓ(تهاطلت من الأعين
العبرات وتزايدت من الأعيان التلهفات
والحسرات وتصاعدت من أكباد السادة
الحاضرين الزفرات).
وقد ذكر كلٌّ من عبد الرحمن ياغي وصاحب
كتاب (كنز الرغائب) أنّ الشيخ يوسف الإمام
كتب الشعر لكن معظمه ضاع. وبالإضافة إلى
مساعدة والده في الوظائف الدينية، اتجه
يوسف أفندي إلى الوظائف الحكومية، فعمل في
رئاسة تحرير النفوس، ثم عيّنه مجلس إدارة
القدس مديراً لصندوق الأيتام في المدينة،
وذلك في ذي الحجة 1284ھ/1869م. وأُعطِيَ
النياشين المجيدية تقديراً لعمله في دائرة
تحرير النفوس، ورتبة إزمير المجردة من شيخ
الإسلام سنة 1300ھ/1883م تقديراً لعمله
وخدماته للدولة والدين.
وفي سنة 1305ھ/1887-1888م جاءته براءة
التعيين الرسمية مفتياً للشافعية. وبعد
وفاة والده الشيخ أسعد استمرّ في تدريس
الحديث وتفسير القرآن في الأقصى، فكان من
مشايخ الحرم البارزين في أواخر القرن
الماضي حتى وفاته سنة 1321ھ/1903م. وقد
نجا من التلف والضياع كتاب مخطوط ليوسف
أفندي أطلعني الشيخ محمد أسعد الإمام
عليه، مع بعض أوراق العائلة. وأمّا شعره
وكتاباته الأخرى فقد ضاعت مثل معظم تراث
ذلك العهد وأوراقه.
مصادر:
(1) عبد الرحمن ياغي، (حياة الأدب
الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتى
النكبة) (بيروت، 1968).
(2) مقابلة مع الشيخ محمد أسعد الإمام
الحسيني، وأوراق عائلية في حيازته.
(3) سجل المحكمة الشرعية في القدس.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
روحي الخالدي
(1864-1913)
السياسي والأديب، وقنصل الدولة العثمانية
في مدينة بوردو الفرنسية، وعضو مجلس
المبعوثان العثمانيّ، ومن أبرز أعلام
فلسطين في أواخر العهد العثماني.
هو روحي بن ياسين أفندي بن محمد علي
الخالدي. وُلِد في القدس في محلة باب
السلسلة، حيث تجمُّع منازل آل الخالدي.
واشتهرت هذه العائلة بالعلم والخدمة في
المحاكم الشرعية في القدس وخارجها لعدة
قرون. في القدس التحق بالكتاتيب ومدارس
الحكومة الابتدائية. وحين تولّى مدحت باشا
ولاية سوريا سنة 1295ھ/1878م عُيّن والده
قاضياً شرعياً في مدينة نابلس فالتحق هو
بالمكتب الرشدي فيها. ثم التحق في طرابلس
الشام بالمدرسة الوطنية التي أنشأها الشيخ
حسين الجسر. وفي سنة 1297ھ/1880م سافر مع
عمّه عبد الرحمن نافذ أفندي الخالدي إلى
الأستانة، وهناك قابل شيخ الإسلام عرياني
زاده أحمد أسعد أفندي، الذي شجّعه على
العلم فأنعم عليه برتبة (رؤوس بروسه)، وهو
لا يزال تلميذاً في السادسة عشرة من عمره.
دراسته العالية:
عاد روحي إلى القدس بعد رحلة قصيرة إلى
الأستانة، وحضر الدروس في المسجد الأقصى،
وتردّد على مدرسة (الأليانس) ومدرسة
الرهبان البيض، (الصلاحية)، ليتقن اللغة
الفرنسية.ثم التحق بالمدرسة السلطانية في
بيروت، وظلّ فيها إلى حين انحلال المدرسة،
فعاد إلى القدس وواصل حضور حلقات الدرس في
المسجد الأقصى. وعُيّن في ذلك الوقت
موظفاً في دوائر العدلية لكنّه كان يطمح
إلى مواصلة دراسته. وحاول والداه منعه من
السفر والاغتراب, فعُيّن رئيساً لكتّاب
محكمة بداية غزة، إلا أنّه رفض الوظيفة
والتحق بالمكتب الملكيّ السلطاني في
الأستانة سنة 1305ھ/1887م. وأمضى في ذلك
المعهد للعلوم السياسية والإدارة ست
سنوات، حاز في نهايتها، سنة 1893، على
شهادة التخرج. وبعد تخرجه عاد إلى القدس،
حيث عُيّن معلماً في مكتبها الإعدادي
لكنّه رأى أنّه أجدر بوظيفة أعلى فعاد إلى
الأستانة، ومنها سافر إلى باريس، ثم عاد
ثانية إلى العاصمة العثمانية، وأخذ يتردّد
فيها على مجلس الشيخ جمال الدين الأفغاني.
واشتدّت مراقبة الجواسيس الذين كانوا
يحضرون مجلس الشيخ الأفغاني، ففرّ إلى
باريس والتحق بجامعة السوربون، ودرس فيها
فلسفة العلوم الإسلامية والآداب الشرقية.
وفي السوربون تعرّف إلى كبار المستشرقين.
ثم عُيّن مدرّساً في جمعية نشر اللغات
الأجنبية في باريس، ودُعِي إلى الاشتراك
في مؤتمرات المستشرقين وإلقاء المحاضرات
في اجتماعاتهم.
وعاد إلى الأستانة، وصدرت الإرادة السنيّة
في 8 جمادي الآخرة سنة 1316ھ/24 تشرين
الأول (أكتوبر) 1898م بتعيينه قنصلاً
عاماً في مدينة بوردو الفرنسية وتوابعها.
وقد نجح في عمله هناك، وذاع صيته حتى
انتخب رئيساً لجمعية القناصل في تلك
المدينة، وكانت الجمعية تضمّ ستة وأربعين
قنصلاً. فكان ينوب عنهم في الاحتفالات
التي يتعذّر وجودهم فيها جميعاً، ويستقبل
رئيس الجمهورية وكبار الوزراء والعلماء
عند مرورهم في بوردو. وبقِيَ قنصلاً عاماً
نحو عشرة أعوام، إلى حين إعلان الدستور
سنة 1908، وكان خلالها ينشر أبحاثه
ودراساته في الصحف العربية، ويكتفي بتوقيع
(المقدسي)، أو بنشرها من دون توقيع، خوفاً
من ردة فعل السلطات العثمانية الحميدية.
عضوية البرلمان:
عقب إعلان الدستور في تموز (يوليو) 1908،
رجع إلى القدس فانتخبه أهلها نائباً عنهم
في مجلس النواب العثماني (المبعوثان) في
تشرين الثاني (نوفمبر) 1908.
وكتب مراسل جريدة (المؤيد) في القدس،
الشيخ علي الريماوي، بتاريخ 20 تشرين
الثاني (نوفمبر) 1908 ما يلي: (نال أكثرية
الأصوات عندنا في انتخابات مجلس
المبعوثان، ثلاثة متفق على أنهم أفضل
الموجودين، وهم أصحاب السعادة والعزة:
روحي أفندي الخالدي، قنصل الدولة الجنرال
في بوردو، وسعيد أفندي الحسيني، رئيس
بلدية القدس السابق، وحافظ بك السعيد، من
أعيان يافا).
وكتب جرجي زيدان مقالة بعنوان (نوابنا في
مجلس المبعوثان) نشرها في مجلة (الهلال)
في الأول من كانون الأول (ديسمبر) 1908
ذكر فيها روحي الخالدي فقال: (وقد عرفنا
أيضاً من نوابنا أرباب القلم في مجلس
المبعوثان صديقنا روحي بك الخالدي صاحب
مقالة (الانقلاب العثماني) في هذا
(الهلال). ويكفي الاطّلاع عليها لمعرفة
سعة علمه في أحوال الدولة ودخائل سياستها.
وقد عرفه القراء من قبْل باسم (المقدسي)
وكذلك سمّى نفسه في كتابه (تاريخ علم
الأدب)، الذي نُشِر على حدة، غير مقالاته
العديدة في المواضيع المختلفة. وكلّها
أبحاث جليلة تدلّ على علمٍ واسعٍ ونظَرٍ
صحيح مع إخلاصٍ في البحث. وكان القراء قبل
أنْ يعرفوا اسمه يعجبون بعلمه وفضله
ويسألوننا عن حقيقة اسمه، ولم يكنْ يأذن
لنا بإذاعة ذلك لأنّه كان قنصلاً جنرالاً
للدولة العلية في بوردو في فرنسا. ومع
اعتدال لهجته وتجنّبه الطعن والقرص فقد
كان يخاف تأويل أقواله ولا تطاوعه حميته
على السكوت ففضّل كتمان اسمه).
مواقفه:
كان روحي الخالدي عضواً في جمعية (الاتحاد
والترقي)، فكان مؤيّداً للحرية والدستور،
ليبرالياً في أفكاره بصورة عامة. وتنبّه
إلى المخاطر الصهيونية، وعبّر عن مقاومته
لنشاطها في فلسطين في مناسبات ومواقف
مختلفة. ففي مقابلةٍ صحافية مع جريدة
(هتسفي) (الظبي) (العبرية) في أوائل تشرين
الثاني ( نوفمبر) 1909، عبّر عن مقاومته
المبدئية للحركة الصهيونية ونشاطها
الاستيطاني في فلسطين وحذّر من أنّ
استمرار النشاط الصهيوني والاستيطان
المكثّف قد يؤدّي في المستقبل إلى طرد
العرب، أهالي البلد الأصليين، من بلدهم:
(لسنا مدينين لكم بشيء فقد فتحنا هذه
البلاد من البيزنطيين وليس منكم) بتلك
الكلمات خاطب الصهاينة من على صحيفة
جريدتهم العبرية في ذلك الوقت المبكر من
بداية الصراع الفلسطيني–الصهيوني.
وينقل مؤلف كتاب (العرب والترك في العهد
الدستوري العثماني) مضمون أحد خطابات روحي
الخالدي في البرلمان سنة 1911، فيقول:
(وألقى خطاباً طويلاً كشف فيه عن أماني
اليهود في استعادة مُلْك فلسطين. ثم أخرج
من جيبه ورقةً تلا منها نصّ رسالة كتبت
بقلم (أوسيشكين) أحد أركان الحركة
الصهيونية، يبيّن فيها الوسائل الواجب أنْ
يأخذ الصهاينة بها كي يبلغوا أمانيهم وهي:
نيل الميزة والأفضلية في فلسطين بواسطة
الأموال وتوحيد آمال الإسرائيليين وجمع
شتاتهم، وإنماء روح الوطنية في قلوبهم
واستخدام السياسة لبلوغ الأمنية السامية.
واستنتج الخالدي من ذلك الصهاينة لا
يريدون أقلّ من أمة لهم في فلسطين
واستيطان أرضها. ثم نبّه إلى ازدياد عددهم
حتى أصبح في متصرفية القدس وحدها مئة ألف
يهودي. وأنّ أغنياءَهم ابتاعوا لهم نحو
مائة ألف دونم، وأنّ القوانين التي سنّتها
الحكومة لهجرتهم وإيجاد جواز السفر الأحمر
للأجانب منهم لم تنفعْ في منع هجرتهم إلى
فلسطين لأنها لم تُنفّذ. وأمّا الباقون من
مهاجري أوروبا، وأنهم أسّسوا بنكاً باسم
بنك الاستعمار اليهودي).
ولما حُلّ المجلس سنة 1912، عاد روحي إلى
القدس. وعندما أعيدت انتخابات مجلس
المبعوثان، أعاد أهل القدس انتخابه. فسافر
إلى الأستانة ثانية، واستمرّ في تمثيل
(متصرفية القدس) ومصالح سكانها في
البرلمان على خير وجه.
اختير روحي أفندي في المجلس نائباً
للرئيس، فكان من الأعضاء البارزين في ذلك
العهد. وكان تزوّج في بوردو من آنسة
فرنسية اسمها هرمانس بنسول، وأنجب منها
يحيى، (جان). وقد أنهى ابنه دراسته
الجامعية وتخرّج مهندساً كهربائياً، وعاش
في القدس ثلاثة سنوات، ونال من بني عمومته
حصّته من إرث والده ثم عاد لبوردو واختير
رئيساً لبلديتها. ويرجّح أنّه توفّيَ فيها
في أوائل الحرب العالمية الثانية، سنة
1942، وتوفّيت والدته بعده بقليل، سنة
1943. توفّيَ روحي أفندي في 6 آب (أغسطس)
1913 عن عمرٍ قارب الخمسين سنة، بعد
إصابته بحمى التيفوئيد.
آثاره القلمية:
1- (رسالة في انتشار الدين المحمدي وفي
أقسام العالم الإسلامي). وهي محاضرة
ألقاها سنة 1896 في باريس.
2- (المقدمة في المسألة الشرقية منذ
نشأتها الأولى إلى الربع الثاني من القرن
الثامن عشر). محاضرة ألقاها سنة 1897 في
باريس أيضاً.
3- (برتلو: العالم الكيماوي الشهير)،
مقالة قصيرة من ست صفحات نشرها في مجلة
(الهلال).
4- (فيكتور هوجو وعلم الأدب عند الإفرنج
والعرب) سلسلة مقالات نشرتها (الهلال) ثم
جُمِعت في كتابٍ طُبِع تحت عنوان (تاريخ
الأدب عند الإفرنج والعرب)، بتوقيع
المقدسي سنة 1904.
5- (حكمة التاريخ) مقالة نشرها في جريدة
(طرابلس الشام) سنة 1903 من دون توقيع،
ولما بلغت الأستانة واطّلع عليها
المسؤولون صدر الأمر بتعطيل الجريدة.
6- (الانقلاب العثماني) و(تركيا الفتاة)
مقالتان نشرتهما (الهلال) سنة 1908.
7- (الكيمياء عند العرب) طبعته دار
المعارف سنة 1953.
هذا مجمل الآثار القلمية المنشورة وله كتب
ومخطوطات ضاع أكثرها، منها:
1- (رحلة إلى الأندلس).
2- (كتاب علم الألسنة أو مقابلة اللغات).
3- (تاريخ الصهيونية).
4- (تاريخ الأمة الإسرائيلية).
5- (تراجم أعلام الأسرة الخالدية) (توفّي
المؤلف قبل إنجاز الكتاب).
وعموماً، كان روحي أفندي مثقّفاً واسع
الاطلاع، وأحد أعمدة النهضة العربية في
فلسطين (مثل عمّه يوسف ضياء) في أواخر
العهد العثماني. وتشير كتبه المخطوطة
والمطبوعة إلى تنوّع اهتماماته الأدبية
والسياسية والتاريخية. وقد وصفه الدكتور
ناصر الدين الأسد في كتابه بأنّه رائد
البحث التاريخي الحديث في فلسطين. وأضاف
آخرون أنّه كان رائداً في مجال دراسة
الأدب العربي المقارن. وقد ظهرت الطبعة
الأولى من كتابه (تاريخ الأدب) سنة 1904.
المصادر:
(1) خير الدين الزركلي، (الأعلام) (بيروت
، 1980).
(2) عمر كحالة، (معجم المؤلفين) (دمشق
1957-1961).
(3) ناصر الدين الأسد، (محمد روحي
الخالدي)، (القاهرة، 1970).
(4) يعقوب العودات، (أعلام الفكر والأدب
في فلسطين) (عمّان، 1976).
(5) Neville Mandel .The Arabs and
Zionism Before World War 1(California ,
1976)
(6) S.Moreh , (al-khalidi ,
Ruhi)EI2,Vol. IV , p.936
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>.
د. بندلي صليبا الجوزي
(1871-1942)
رائد الاستشراق في روسيا، اشتهر مؤرخاً
عربياً وباحثاً لغوياً. تولّى كرسي اللغة
العربية في جامعة قازان حتى نهاية الحرب
العالمية الأولى، ثم كرسيّ أستاذ اللغة
العربية في جامعة باكو بعد الثورة
الاشتراكية وزوال الحكم القيصري.
وُلِد بندلي الجوزي في مدينة القدس في 2
تموز (يوليو) 1871. وقد توفيت والدته
أثناء الوضع، وتوفي والده، وكان يعمل
نجاراً، بينما كان بندلي في السادسة من
عمره.
تلقّى بندلي علومه الابتدائية وقِسْماً من
دراسته الثانوية في دير (الإشارة) الصليبي
المعروف ﺑـ(دير المصلبة) في القسم الغربي
من القدس. ثم انتقل إلى مدرسة (كفتين)، من
أعمال طرابلس الشام، وتمكّن من اللغة
العربية وهو في السابعة عشرة من عمره.
وتفوّق في دراسته الثانوية فأُرسِل سنة
1891 لاستكمال علومه الدينية في
الأكاديمية الدينية في موسكو. ولم يرغبْ
في الاستمرار هناك، فانتقل إلى (أكاديمية
قازان) سنة 1895، وحصل منها على درجة
الماجستير في اللغة العربية والدراسات
الإسلامية 1899. وكان موضوع أطروحته
(المعتزلة).
عاد بندلي إلى القدس سنة 1900 ليبقى فيها،
لكن السلطات التركية أجبرته على مغادرة
البلد والعودة إلى روسيا. وهناك تزوّج
يودميلا لورنشيتفنا رويفا، وذلك سنة 1903.
وقد رُزق سبعة أبناء، ثلاثة ذكور وأربع
بنات، اهتم بتربيتهم وتعليمهم فاحتلوا
فيما بعد المركز المرموقة في الجامعات
السوفيتية. وفي سنة 1909 عاد إلى الشرق
الأدنى في بعثة علمية لمدة عام كامل أشرف
خلاله على رحلة الطلبة الروس إلى فلسطين.
وفي رحلته تلك تعرّف إلى الكثيرين من
أدباء فلسطين في ذلك العهد، ومنهم إسعاف
النشاشيبي وجميل الخالديّ، صاحب
المخطوطات، وخليل السكاكيني. كما تعرّف في
بيروت إلى المستشرق الروسي كراتشفوفسكي
الذي أوقف حياته على البحث والتدقيق في
آداب اللغة العربية. وفي السنة التي أقام
معظمها في فلسطين (1909) شاهد التأخّر
والجهل وظلم السلطات العثمانية
والإقطاعيين السائرين في فلكها، فأخذ بنشر
الأفكار التحررية، ويحرّض الناس على كسر
القيود، والثورة على أوضاعهم.
وعاد بندلي الجوزي إلى جامعة قازان بعد
انتهاء سنة البعثة، واستمر يدرس اللغة
العربية والتاريخ الإسلامي فيها. وبعد
زوال الحكم القيصري انتقل إلى مدينة باكو،
وعُيّن أستاذاً للأدب العربي في جامعتها.
وظلّ يدرّس اللغة العربية وآدابها هناك
حتى وافته المنية سنة 1942. وقد كتب
الكثير من الدراسات، وتصدّى للمستشرقين،
وانتقد قصر نظرهم وتعصّبهم. ومع ذلك فقد
وصفه المستشرقون بأنّه كان مرجعاً خصباً
من مراجعهم، وعُرِف عندهم باسم بندلي
(Pandali). ومن مؤلفاته كتاب (الحركات
الفكرية في الإسلام)، الذي نال بفضله
الدكتوراه من جامعة موسكو.
ولم ينسَ الدكتور الجوزي مسقط رأسه، بل
عاد لزيارته سنة 1927، ثم في سنة 1930.
وقد ألقى خلال زياراته تلك محاضرات قيمة
في التاريخ والحركات الفكرية والاجتماعية
والفلسفية عند العرب. وفي سنة 1930 أيضاً
زار القاهرة مع صديقيْه خليل السكاكيني
وعادل جبر، فاحتفى بهم أهل الفكر في وادي
النيل. وكتب الجوزي أبحاثاً ومقالات نشرها
في المجلات العربية، ﻛـ(المقتطف)
و(الهلال) و(النفائس العصرية) وغيرها.
وكان يتقن من اللغات، إلى جانب العربية
والروسية، عدة لغات أخرى هي: الفرنسية
والإنجليزية والألمانية واليونانية
القديمة والتركية والفارسية. وكان أيضاً
يجيد اللاتينية والعبرانية والسريانية،
ويقرأ الإيطالية والإسبانية بطلاقة.
ترك بندلي الجوزي مجموعة كبيرة من
المؤلفات العربية والروسية منها:
1- (تاج العروس في معرفة لغة الروس).
2- (الأمومة عند العرب) (مترجم عن ديكلن
الهولندي، طبع سنة 1902).
3- (مبادئ اللغة العربية لأولاد الغرب)
(جزءان).
4- (الإسلام والتمدن).
5- (علم الأصول عند الإسلام).
6- (الحركات الفكرية في الإسلام ) (طبع
سنة 1928 في بيت المقدس).
7- (أصل الكتابة عند العرب).
8- (أصل سكان سوريا وفلسطين المسيحيين).
9- (جبل لبنان، تاريخه وحالته الحاضرة).
10- (العلاقات الأنجلو– مصرية) (طبع سنة
1930).
11- (المصطلحات العلمية عند العرب
المعاصرين) (طبع سنة 1930).
12- (القاموس الروسي-العربي) (جزءان).
13- (تاريخ كنيسة أورشليم).
ويُقدّر مؤلفاته باللغة بالروسية، بين
موضوع ومنقول، بستة وعشرين مؤلفاً، وترك
تسعة مخطوطات بالروسية ومخطوطين بالعربية
.
المصادر:
(1) خير الدين الزركلي، (الأعلام) (بيروت،
1980).
(2) يعقوب العودات، (أعلام الفكر والأدب
في فلسطين) (عمّان، 1976).
(3) نصري صليبا الخوري، (المؤرخ الفلسطيني
بندلي الجوزي)، (جريدة الاتحاد)
(2/3/1984)، ص4، منقولاً عن: (فلسطين
الثورة)، 11/2/1984.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
طاهر أفندي الحسيني
المصدر: كتاب/ أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ- د. عادل منّاع:
(توفّي سنة 1282ھ/1865-1866م)
مفتي الحنفية في القدس لثلاثة عقود في
النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأحد
علمائها ومدرسيها البارزين في ذلك العهد.
وكان بعد ثورة سنة 1834 ضمن من عوقبوا،
فنُفِيَ إلى مصر وفُرِضت عليه الإقامة
الجبرية، ثم أعيد إلى موطنه ووظيفته في
الإفتاء بعد نحو عامين.
هو طاهر بن عبد الصمد بن عبد اللطيف
الحسيني. برز اسمه بعد وفاة عمه المفتي
حسن أفندي سنة 1224ھ/1809م. وفي 27 شعبان
من السنة ذاتها، الموافق 5 تشرين الأول
(أكتوبر) 1809م، جاء مرسوم من القدس من
والي الشام يقول فيه: ((وصل عرض محضركم
وأحاط علمنا ما أعرضتم بخصوص انتقال
المرحوم السيد حسن أفندي، بحسب وفور علمه
ولياقته واستحقاقه إلى خدامة الفتوى
الشريفة وأنّ الشرع الشريف (القاضي) نصبه
قيمقام مفتي بطرفكم.)).. وبعد فترة قصيرة
من السنة نفسها وافق شيخ الإسلام في
الأستانة، وجاء التعيين الرسمي إلى طاهر
أفندي مفتياً للحنفية في القدس. ومنذ ذلك
التاريخ لم يقمْ عقدين من دون توقّف. وكان
طاهر أفندي عالماً وقوراً، درس في الأزهر،
كما يبدو، وتعرّف هناك إلى كبار العلماء،
أمثال: عبد الله الشرقاوي، وحسن العطار،
وعبد الرحمن الجبرتي. وحافظ على تلك
العلاقة بالمراسلة بعد عودته إلى بيت
المقدس. كما زاره العلامة حسن العطار في
بيته. ومما يدلّ على سعة علمه اهتمامه
بالكتب وطلبه النادر منها من القاهرة. وقد
درس في الأقصى وفي مدارس الحرم. وفي سنة
1227ھ/1812م عُيّن مدرّساً لِـ((صحيح
البخاري)) في قبة الصخرة. وهكذا حافظ طاهر
أفندي لأكثر من عقديْن على الزعامة
الروحية في القدس بينما اهتمّ ابن عمه عمر
أفندي النقيب بالقضايا المادية و اليومية.
وبعد الاحتلال المصري سنة 1832 تزعزعت
مكانة العلماء والأعيان. وتقلّص النفوذ
الواسع الذي كان لأصحاب المناصب الكبيرة،
أمثال طاهر. لذا دعم المفتي والنقيب ثورة
سنة 1834، على ما يبدو، فكان جزاؤهما
النفي إلى مصر بعد إخماد الثورة. بعد عامٍ
من إبعاده عن موطنه قُدِّمت عريضة من حرم
المفتي إلى السلطات المصرية بوساطة
إبراهيم باشا يستعطفنَ فيها ترتيب معاشٍ
لهنّ: ((حال مفتي أفندي مشهور وفقره معلوم
والآن مقيم في مصر بحسب الأمر الكريم
المعظّم ونحن ضاع حالنا ولا أحد يطّلع
علينا بإدارة معاشنا. ونحن سبعة عشر نفساً
الموجودة في رقبته معاشنا عليه)). وقد
أورد أسد رستم هذه العريضة في الوثائق
التي جمعها في كتابه ((المحفوظات))، وهي
مؤرخة في 22 ربيع الثاني 1251ھ/17 آب
(أغسطس) 1835م. وبعد أنْ تأكد المصريون من
عودة الهدوء للمنطقة سمحوا للمفتي وآخرين
من المبعدين بالعودة إلى موطنهم، وكان
ذلك، كما يبدو، في أواخر سنة 1252ھ/أوائل
سنة 1837م. ففي ذلك التاريخ تتكرّر الحجج
والوثائق المسجلة في سجلات المحكمة
الشرعية في القدس والتي تؤكّد وجود طاهر
أفندي في القدس وشغله منصب إفتاء الحنفية
ثانية. وحتى خلال غيابه الاضطراري في مصر,
لم تخرج وظيفة الإفتاء من العائلة، بل
شغلها بالوكالة ابنه مصطفى. ولم تطلْ مدة
مكوث طاهر طويلاً في بيت المقدس، وسافر
إلى الأستانة بُعيْد عودة العثمانيين إلى
البلد سنة 1841م، وعيّن للإفتاء مصطفى
أفندي بالوكالة. وفي الأستانة أصبح طاهر
أفندي من مقرّبي شيخ الإسلام عارف حكمت،
الذي رفض السماح له بالعودة إلى قدس كي
تستفيد العاصمة العثمانية من علمه
ومعرفته. وحتى بعد وفاة شيخ الإسلام
المذكور، أبقاه رجال السلطة في العاصمة،
فكانت مكانته عظيمة بين العلماء والوزراء.
وهكذا أمضى طاهر آخر عقديْن ونيّف من
حياته في العاصمة العثمانية، حتى وفاته
سنة 1282ھ/1865-1866م. أما وظيفة الإفتاء
فانتقلت رسمياً في تلك المدة إلى ابنه
مصطفى، الذي نقلها إلى ابنه طاهر ومنه إلى
ولديه كامل والحاج أمين الحسيني.
المصادر:
(1) أسد رستم، "المحفوظات الملكيّة
المصريّة"، 4 أجزاء (بيروت، 1940-1943).
(2) سجل المحكمة الشرعيّة في القدس.
(3) شمعون لندمان، "أحياء أعيان القدس
خارج أسوارها في القرن التاسع عشر" (تل
أبيب، 1984).
(4) وثائق وأوراق عائليّة خاصّة.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
محمد أفندي أبو السعود
المصدر: كتاب/ أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ- د. عادل منّاع:
(1148-1228ھ/1735-1813م)
عالم أزهريّ، مفتي الشافعية، وشيخ مشايخ
الطرق الصوفية الخلوتية والقادرية في
الديار القدسية. سافر في آخر حياته إلى
الأستانة يطلب من شيخ الإسلام، ولم يمكثْ
طويلاً بعد وصوله إليها فمات ودفن فيه.
هو محمد أفندي بن تاج الدين أبو السعود،
من أكارم أعيان القدس كما جاء في مخطوط
حسن الحسيني لتراجم علماء القدس في القرن
الثاني عشر الهجريّ. وقال عنه أيضاً:
(مولانا السعيد الكامل الرشيد، مولانا
مهذّب القلوب، ومهذّب الأخلاق، المقرب
المحبوب، لحضرة الخلاق، الذي نشأ من عنوان
شبابه في عبادة مولاه وترقّى مراقي
الأحباب حتى بلغ مناه). درس في الأزهر،
وأخسذ طريق الخلوتية عن شيخ المشايخ في
الديار المصرية الشيخ محمد الحنفي، وكذا
أخذ تلك الطريقة والخلافة عن (مولانا
وسيدنا وابن سيدنا محمد كمال الصديقي).
وكان للعائلة زاوية في دارها هي الزاوية
الفخرية، وطريقتها منسوبة إلى القطب
المشهور الشيخ عبد القادر الجيلانيّ. ولذا
أصبح محمد أفندي في نهاية القرن الثاني
عشر الهجري خليفة السادات الخلوتية
والقادرية في القدس. قام بإحياء الأذكار
ليلاً ونهاراً، ووُصِفَ بأنّه صاحب كرامات
وأشعار. وقد أخذ عليه العهد خلقٌ كثير من
أكابر القوم.
أصبح محمد أفندي أحد علماء القدس ذوي
النفوذ. وقد برز ذلك أثناء الحملة
الفرنسية على فلسطين، حيث وردت الفرمانات
والمراسيم باسم ثلاثة من علماء القدس
البارزين وهم المفتي الحنفي حسن الحسيني،
والشيخ محمد البديري، والشيخ محمد أبو
السعود. وقد حاز الشيخ أبو السعود على
مختلف المناصب والوظائف في المؤسسات
الدينية والأوقاف، وأورث قسْماً كبيراً
منها لابنه أحمد أفندي، وأحفاده الثلاثة،
أولاد ابنه مصطفى المتوفّى سنة
1221ھ/1806م. وقد تقلّد ابناه أحمد ومصطفى
المناصب العالية وسارا على خطى والدهما.
ذكره جودت باشا في تاريخه سنة
1228ھ/1813م. (المجلد العاشر، الصفحة
126)، وذلك أنّ الشيخ الإسلام عبد الله
أفندي درى زاده كان يبحث ذات يوم في
الأستانة مع قاضي عسكر الأناضول موسى
أفندي الخالدي عن المشايخ والعلماء
ليحضرهم إلى العاصمة. فذكر له الشيخ محمد
أفندي أبو السعود، وأثنى عليه، فطلب منه
أنْ يحضره إلى دار السعادة. فتوجّه موسى
أفندي إلى القدس وأحضره وأنزله في دارٍ
تجاه بيت شيخ الإسلام، قرب جامع الفاتح.
وكان الشيخ أبو السعود هرِماً فلم يستطعْ
التوجّه إلى سراي السلطان. ورعاية للقاعدة
(القادم يُزار)، عزَم السلطان محمود على
زيارته ثم عدَل لأنّ الشيخ كان مغمى عليه.
ومات الشيخ أبو السعود في تلك السنة،
ودُفِن في تربة أبي أيوب الأنصاري في
العاصمة العثمانية.
المصادر:
(1) أحمد سامح الخالدي، (أهل العلم بين
مصر وفلسطين).
(2) حسن الحسيني، ( تراجم أهل القدس في
القرن الثاني عشر) (مخطوط في المتحف
الفلسطيني (روكفلر)في القدس، ونسخة في
المتحف البريطاني في لندن).
سجل المحكمة الشرعية في القدس.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
عبد الرحمن أفندي الدّجاني
المصدر: كتاب/ أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ- د. عادل منّاع:
أول رئيسٍ لبلدية القدس في ستينات القرن
الماضي.
ذكره عارف العارف وعدّة مصادر عربية
وأجنبية أول رئيسٍ لبلدية القدس. فقد
أُسّست بلدية القدس سنة 1863، وهي من
أوائل البلديات في الدولة العثمانية،
ولعلّ بلدية العاصمة إسطنبول كانت البلدية
الوحيدة التي سبقتها في هذا المجال. ولا
نعرف عن معارف عبد الرحمن أو مؤهلاته
شيئاً، ولا سيما تلك التي أهّلته ليكون
أوّل من يتعيّن لرئاسة البلدية. وكان من
وظائف و مهمات رئيس البلدية في ذلك العهد
مأمورية الأنبار (العنابر) في الحكومة
المحلية، فكان يشتري ما يحتاج إليه
المتصرّفون ورجال الدولة وجنودها من طعام
وشراب. ويظهر أنّ عبد الرحمن لم يبقَ في
منصبه ذلك مدة طويلة، فقد عُيّن له من
بعده أفراد من عائلات العلمي والحسيني
والخالدي، وغيرها. ونظراً إلى أنه أول
رئيسٍ لبلدية القدس فقد قرّرت بلدية
المدينة مؤخّراً تخليد ذكراه بإطلاق اسمه
على أحد الشوارع في حي بيت حنينا، شمالي
القدس.
المصادر:
(1) شمعون لندمان، (أحياء أعيان القدس
خارج أسوارها في القرن التاسع عشر) (تل
أبيب، 1984).
(2) عارف العارف، (تاريخ القدس) (القدس،
1951).
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
محمد آغا العفيفي
المصدر: كتاب/ أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ- د. عادل منّاع:
(توفي سنة 1832)
آغا الانكشارية في القدس مدة طويلة،
وقائمقام متسلم اللواء فترات قصيرة. كان
في سنة 1824 من زعماء تمرد سكان القدس على
الحكم التركي. وعندما تغلبت الدولة على
المتمردين هرب إلى مصر، وبواسطة محمد علي
عفا السلطان عنه. فعاد إلى القدس وسكنها
ثانية حتى جاء جيش محمد علي لفتح البلاد،
فكان من أوائل المتعاونين مع الحكم
الجديد.
هو محمد آغا بن عبد الرحمن عفيفي زاده.
والعفيفي هي إحدى العائلات المقدسيّة التي
كان من أبنائها كثيرون من أصحاب السيف
والقلم. تجنّد محمد آغا من صغره، كما
يبدو، في جند الانكشارية المحليين
(اليرلية) ، وترقّى حتى أصبح آغا فرقة
الانكشارية في القدس. وقد شغل هذه الوظيفة
مدة طويلة في أوائل القرن التاسع عشر حتى
أصبح أحد أعيان المدينة البارزين. واعتمد
ولاة الشام عليه معاوناً للمتسلمين في
لواء القدس. وكثيراً ما عُيّن متسلماً في
القدس بالوكالة، بالإضافة إلى وظيفته
الدائمة في قيادة جند الانكشارية. وقد
حاولت السلطات العثمانية في العشرينات
تعيين آغا تركيّ لفرق الانكشارية، لكن من
دون نجاح. وفي سنة 1824 قام أهالي القدس،
وبالتعاون مع الفلاحين، بثورة على متسلّم
القدس وجنوده وطردوه من المدينة. وكان
محمد آغا بحكم وظيفته أحد قادة هذا
التمرد، بالإضافة إلى أحمد آغا الدردار،
قائد القلعة. وبعد أنْ نجح الأتراك في
إعادة سلطتهم على المدينة بوساطة جيش عبد
الله باشا، والي صيدا، هرب محمد آغا
والتجأ إلى محمد علي باشا في مصر. وتوسّط
هذا عند السلطان والي الشام حتى صدر العفو
عن محمد آغا وعزل سابقه خليل آغا أنّه
بسبب (عدم امتزاج خليل آغا مع الوجاقلية)
لكنّه لم يبقَ في وظيفته إلا مدة قصيرة،
وذلك لإبطال جند الانكشارية في القدس
أيضاً في أواخر سنة 1826. وظلّ محمد آغا
في المدينة بعد ذلك لكنّه أصبح من
المتضررين من إصلاحات السلطان محمود
الثاني. فلما جاء جيش محمد علي لفتح
البلاد في أواخر سنة 1831 اتصل محمد آغا
به ونقل له أخبار القدس أولاً بأول. فكان
بذلك يردّ الجميل لوالي مصر الذي ساعده
سنة 1824، ويحاول أنْ يجد لنفسه منصباً
جديداً في خدمة الحكام الجدد. لكن المنية
لم تمهِلْه كثيراً، فقد توفّي في صيف سنة
1832. وخلف بعده من الذكور اثنين هما: عبد
الرحمن وخليل، فقسّمت وظائفه وتركته
بينهما. وقد برز خليل أكثر من أخيه، فكان
عضواً في مجلس شورى لواء القدس، ثم مدير
الأوقاف فيها. وقد نفته الدولة سنة 1854
إلى العاصمة العثمانية مع بعض أعيان مدينة
القدس. ولا ندري ماذا جرى له بعد نفيه من
البلاد، ويبدو أنّه أمضى باقي عمره بعيداً
عن وطنه.
المصادر:
(1) أسد رستم، (المحفوظات الملكية
المصرية) (بيروت 1940–1943)، الجزء الأول.
(2) سجل المحكمة الشرعية في القدس.
(3) James Finn, Stirring Times (London
1878).
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
محمد آغا النمر
المصدر: كتاب/ أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ- عادل منّاع:
(توفّي سنة 1234ھ/1819م)
هو ابن إبراهيم باشا النمر، والي القدس في
أواخر القرن الثامن عشر. شارك في مقاومة
الفرنسيين سنة 1799، وكان أحد أقطاب
الصراع مع آل طوقان–البكوات. حاول تجنيد
المساعدة لصفّه من خارج جبل نابلس لكن من
دون نجاح، ولقِيَ حتفه سنة 1819 في الكمين
الذي نصبه موسى بك لزعامة آل النمر.
هو محمد آغا بن إبراهيم باشا النمر،
الملقّب بسلطان جبل النار. وأمّه السيدة
فاطمة بنت الشيخ إبراهيم الحنبلي الجعفري،
نقيب أشراف نابلس. نشأ نشأة الفتوة مشبعاً
بروح الفروسية وصفاتها. وقاد الجرود
النابلسية التي قاومت نابليون في وادي
قاقون، وشارك في معركة مرج ابن عامر على
الجيش الفرنسي المحاصر لمدينة عكا. ثم قاد
مجموعةً من الفرسان حاولت اختراق الحصار
وإنجاد المدينة المحاصرة، فأكبر الجزّار
فعلته تلك، بحسب قول إحسان النمر. ثم عاد
محمد آغا إلى نابلس بعد وفاة الجزّار،
واشترى قصر آل تقلي (طوقلي)، حكام نابلس
سابقاً، القريب من الجامع الكبير، بعيداً
عن حارة آل النمر. ونشب نزاعٌ دامٍ بين
البكوات من آل طوقان وبين آل النمر راح
ضحيتها عشرات من الأشخاص من الجانبين. وفي
سنة 1234ھ/1818-1819م نصب موسى بك طوقان،
متسلّم نابلس، كميناً لبعض آل النمر، كان
محمد آغا بينهم، فقُتِل في تلك الحادثة
(1).
(1) إحسان النمر، (تاريخ جبل نابلس
والبلقاء)، الجزء الأول (نابلس، 1975).
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ موسى الشيخ خليل البديريّ
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين، مطابع شركة الإعلانات الشرقيّة:
كان الشيخ موسى البديريّ يُعَدّ –بحقّ-
أحد العلماء العاملين، والفقهاء
المحدّثين، اشتهر بالتّقى والورع،
والتمسّك بأهداب الدين، لم تُنسب إليه
رذيلة قط، ولم تذكر له خلة تشينه أبداً.
وقد سمعت بعض الذين جالسوه وعاشروه يصفونه
بالصدق والإخلاص في العمل، والتفاني في
سبيل الله والوطن.
وُلِد الشيخ موسى ابن الشيخ خليل
البديريّ، في بيت علمٍ وأدب، ووطنيّة ودين
بمنزلٍ في القدس القديمة بحيّ باب خان
الزيت غرب الحرم القدسيّ المبارك نحو
ثلاثة وثمانمائة وألف (1803م).
وقد نشأ –رحمه الله- يقرأ القرآن الكريم،
في المسجد الأقصى المبارك، ويدرس أحكام
تجويده. وقد مكث على ذلك نحو ثلاثة أعوام،
أخذ بعدها يدرس مختلف العلوم الدينيّة
واللغويّة في أروقة المسجد الأقصى، ورحبات
الصخرة المشرّفة، ثمّ ارتحل إلى مدينة
الأستانة (دار الخلافة الإسلاميّة آنذاك)
حيث أتمّ هناك دراسته للعلوم الإسلاميّة
بالإضافة إلى اللغة التركيّة، وبعد أنْ
قضى مدّة سبعة أعوام حصل على إجازةٍ
تؤهّله للعمل في سلك القضاء، ثمّ عاد إلى
فلسطين فعُيّن قاضياً لمدينة نابلس، ثمّ
وَلِيَ منصب قاضي محكمة القدس القديمة،
وظلّ –رحمه الله- يتنقّل في مناصب القضاء
نحو عشرين عاماً، ثمّ أحالته حكومة
الانتداب البريطانيّة إلى التقاعد، فقرّر
المجلس الإسلاميّ الأعلى بالقدس أنْ
يُعَيّنه في منصب قيّم مسجد الصخرة
بالإضافة إلى وظيفة إمام وقتيْ الظهر
والعصر بالمسجد المذكور. وقد أبدى –رحمه
الله- رغبته عن ذلك العمل بحجّة شعوره
بضعف صحّته، ولكنّ أعضاء المجلس الإسلاميّ
بالغوا في الإلحاح عليه حتّى استجاب لهم،
وبذلك أصبح يشغل منصبيْ إمام وقيّم مسجد
الصخرة المشرّفة في وقتٍ واحد. وقد ظلّ
يباشر مهام ذينك المنصبين حتّى غادر هذه
الديار.
استهلّ الشيخ موسى البديريّ كفاحه الوطنيّ
ونضاله البطوليّ في سبيل تحرير بلاده من
حكم البريطانيّين وتطهيرها من دنس
الصهيونيّين بالمشاركة الفعليّة في
المقاومة العربيّة المسلّحة التي كان قد
نظّمها الشيخ عزّ الدين القسّام، إذْ
انضمّ –رحمه اله- أثناء تولّيه القضاء في
مدينة نابلس إلى صفوف المجاهدين تحت لواء
عزّ الدين القسّام سنة إحدى وعشرين
وتسعمائة وألف (1921م).
وقد ظلّ الشيخ موسى البديريّ يخوض معارك
المواجهة المسلّحة ضدّ الصهاينة
والبريطانيّين تحت قيادة الشيخ عزّ الدين
حتّى استشهد هذا الأخير سنة اثنتيْن
وعشرين وتسعمائة وألف (1922م).
وكان الشيخ موسى البديريّ في مقدّمة
الداعين إلى المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ
الخامس الذي انعقد يوم 22 آب (أغسطس) من
السنة المذكورة في مدينة نابلس وذلك على
إثر عودة الوفد العربيّ الفلسطينيّ من
لندن دون أنْ يحقّق من رحلته التي قام بها
إلى بلاد الإنجليز أيّ فائدةٍ تذكر.
وفي عام 1929م كان الشيخ موسى أحد الخطباء
المصاقع والشعراء المفلقين الذين أثاروا
الحميّة الوطنيّة في نفوس الجماهير
العربيّة، كي يثوروا ضدّ الصهاينة
والبريطانيّين.
وفي سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة وألف
(1931م)، ألّف الشيخ موسى من طلابه
ومريديه جمعيّة سريّة مهمّتها الإشراف على
مقاطعة البضائع البريطانيّة والصهيونيّة
ومنع العرب مسلمين ومسيحيّين من معاملة
تجّار اليهود المهاجرين من أوروبا وأمريكا
إلى فلسطين.
وكان –رحمه الله- يحكم على الذي يترك
التاجر العربيّ ليشتري من تاجرٍ صهيونيّ
أيّ شيءٍ مهما قلّ أو كثر، بأنّه مارقُ عن
الدين وخارجٌ على إجماع المسلمين، وأنّه
يجب أنْ يعاقب رمياً بالرصاص.
وفي اوائل عام 1936م كان –رحمه الله- أحد
أركان جماعة "اليد السوداء" التي كانت
تبثّ الألغام في طريق القوافل
الإنجليزيّة، وتضع المتفجّرات في المنشآت
والمؤسسات الصهيونيّة بالقدس الجديدة، ولم
يكنْ ليقتصر نشاط الشيخ موسى البديريّ في
هذه المنظّمة الوطنيّة على إصدار الأوامر
ولتوجيهات، بل كثيراً ما كان يقوم بنفسه
بزرع الألغام، وتفجير أصابع الديناميت، في
مختلف المرافق الحيويّة للصهاينة
والبريطانيّين. فمن تلك الأعمال الفدائيّة
التي تُنسب إليه –على سبيل المثال- وضعه
بنفسه "قنبلة" أمام دار المندوب السامي في
جبل المكبّر فانفجرت تحت عجلات سيّارة
سكرتير عام حكومة فلسطين البريطانيّ
فجُرِح وقُتِل سائق السيّارة.
وفي أخريات أيلول سنة 1937م كان الشيخ
موسى البديريّ يتفقّد مواقع رجاله الذين
كانوا يكمنون خارج باب الخليل لمنع الجنود
من دخول القدس القديمة، فأطلق عليه أحد
الصهاينة الرصاص من جهة شارع المنتفيوري،
وهو حيّ يهوديّ يقع عند باب الخليل وبركة
السلطان، فسقط الشيخ موسى فوق ثرى مدينة
القدس ودمه الزكي يتدفّق بغزارة من رأسه
وأنفه وفمه، ثمّ عرجت روحه إلى السماء في
زمرة الشهداء الخالدين من العلماء
العاملين.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
إسماعيل الحسيني
المصدر: كتاب "أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ"- د. عادل منّاع:
(1860-1945)
أحد أثرياء القدس ومن أعيانها البارزين في
أواخر العهد العثماني، ومدير المعارف في
أضنة ثم في القدس في ذلك العهد.
هو إسماعيل بن موسى بن طاهر الحسيني، مفتي
القدس في النصف الأول من القرن الماضي.
كان والده تاجراً ثرياً ورجل أعمال
ناجحاً، جمع ثروة كبيرة وأورثها لأولاده
عارف وشكري وإسماعيل. وقد ضمّت ثروته
أراضٍ واسعة في قرى لواء القدس، مثل عين
سينيا وغيرها. ولعلاقته بالفلاحين،
استعانت السلطات العثمانية به لجباية
الضرائب منهم، ودخل سلك الوظائف الحكومية،
وشغل منصب رئيس مجلس المعارف في أضنة ثم
في القدس. وفي أيامه أقيمت أول مدرسة
للبنات في القدس. وقد ساهم في تطوير
المدارس والتعليم في أواخر العهد
العثماني. لكن وظيفته في المعارف أيضاً
ضمّت مهمة مراقبة المطبوعات والصحف
الصادرة في المتصرفية، فكان بذلك الأداة
التنفيذية للسياسة العثمانية في هذا
المجال.
وفي سنة 1897 أقام إسماعيل بك بيتاً فخماً
على أرضٍ مساحتها خمسة دونمات في الشيخ
جراح، في حارة الحسينية. وأقيم البناء وفق
تخطيط أوروبي، وهو مؤلف من ثلاث طبقات من
الحجر المقدسي الصقيل والجميل.
وللمبنى مدخل فخم استقبل إسماعيل بك فيه
القيصر الألماني أيام زيارته للقدس سنة
1898. فكان ذلك الاستقبال الفخم الذي
اشترك فيه علماء القدس وأعيانها ورجال
الحكومة التركية، يوماً مشهوداً وصفته
السيدة برتا وِسْتر سْبَفُورد التي كانت
تسكن مع عائلتها في بيت مجاور. وقد تحوّل
المنزل فيما بعد إلى فندقٍ سُمّي (نية
أورينت هاوس).
وفي سنة 1901 كان إسماعيل بك مدير المعارف
في القدس، فجمع ما اكتشفه العلماء
الأجانب، ولا سيما الدكتور بليس، من
العاديات في فلسطين، وأفرد لها ست حجرات
في المدرسة السلطانية القائمة بإزاء الباب
المعروف بباب هيرودوس ونظّمها هناك على
أحسن طريقة. وكانت الغاية من إقامة هذا
المتحف الصغير أنْ يجد العلماء في القدس
فرصةً لدرس تاريخ فلسطين منذ زمن
الكنعانيين إلى أيام الدولة الرومانية.
وسنة 1908 كلّفه أخوه شكري الحسيني تأسيس
فرع لجمعية (الإخاء العربي العثماني) في
القدس. فعقد اجتماعاً لعددٍ من أعيان
القدس وشبابها المثقف، وأسّس المجتمعون
فرع الجمعية في المدينة، وكان من زعمائها:
نخلة زريق، وفيضي العلمي، وخليل
السكاكيني، وغيرهم.
وبعد الحرب العالمية الأولى والاحتلال
الإنجليزي للبلد، اتّخذ إسماعيل بك موقفاً
ودياً ومتعاوناً من الحكام الجدد، كما فعل
مع من سبقهم. وشارك في الأنشطة
والاجتماعات التشاورية الكثيرة التي عقدت
سنة 1918 لاتخاذ موقفٍ فلسطينيّ بشأن وعد
بلفور ومستقبل فلسطين. وقد عُقِد عددٌ
كبير من تلك الاجتماعات في بيته. وكان بعض
هذه الاجتماعات بمبادرةٍ من الإنجليز
لتقريب وجهات النظر بين الفلسطينيين ورجال
الحركة الصهيونية. ووافق إسماعيل بك على
استقبال البعثة الصهيونية برئاسة وايزمن،
والتي حضرت إلى البلد في نيسان/أبريل
1918. كما أنّه وافق فيما بعد على تأجير
أرضه في عين سينيا ليعقوب شرتوك. وحصل على
امتيازٍ للتنقيب عن النفط في جنوب فلسطين
من شركة (ستاندرد أويل) ووافق سنة 1923
على إدراج اسمه بين أعضاء المجلس
الاستشاري، الذي أراد الإنجليز تأسيسه في
حينه. لكن عندما عارض معظم رجال الحركة
الوطنية الفلسطينية إقامة المجلس سحب
موافقته مع ثلاثة آخرين. وصرف إسماعيل بك
حياته أيام الانتداب بعيداً عن السياسة
ونشاط الحركة القومية، التي تزعّمها أفراد
آخرون من آل الحسيني ، أبرزهم موسى كاظم
والحاج أمين.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
أحمد أفندي أبو السعود
المصدر: كتاب "أعلام فلسطين أواخر العهد
العثمانيّ"- عادل منّاع:
قاضي الشافعية في القدس في الربع الأول من
القرن التاسع عشر، وأحد العلماء البارزين،
ومن أصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي في
ذلك العهد.
هو أحمد بن محمد أفندي أبو السعود، العالم
وشيخ مشايخ الطرق الصوفية. عُيّن قاضياً
للشافعية بعد وفاة أخيه مصطفى سنة
1221ھ/1806م، الذي شغل ذلك المنصب
أعواماً. بقِيَ أحمد أفندي في وظيفة
القضاء مدة طويلة، وبرز عالماً من العلماء
ذوي النفوذ الواسع. وقد استعان ولاة
الأمور به أحياناً لجمع الضرائب وحفظ
النظام في القدس ولوائها. ففي سلخ شهر
شعبان 11240ھ/أواسط نيسان (أبريل) 1825م،
أرسل عثمان آغا كتاباً إلى قاضي القدس
وعلمائها ومتسلّمها وأعيانها بشأن ضرائب
ذلك العام. وكان عثمان آغا في ذلك التاريخ
وكيلاً معتمداً من قِبل والي الشام
(كتخذا)، وقائد الحملة العسكرية لجمع
الضرائب في المنطقة (سر عسكر الدوره). وصل
عثمان آغا إلى مدينة نابلس وواجه صعوبات
في جمع الضرائب المترتبة على المنطقة.
فأرسل علماء القدس وأعيانها إلى عثمان آغا
رسالة يطلبون فيها عدم توجهه بالعساكر إلى
طرفهم. كما تعهّدوا توريد الضرائب
المطلوبة من لواء القدس لخزينة الدولة إلى
نابلس. وكان على رأس متعهّدي جمع الضرائب
وإرسالها إلى نابلس (جناب الشيخ الحاج
أحمد أفندي أبو السعود أفندي زاده).
واستجاب عثمان آغا لهذا المطلب وعدل عن
قدومه بنفسه على رأس جيشه لجمع تلك
الضرائب، وذلك (لأجل راحة الفقراء وعدم
الثقلة على الرعايا)، كما جاء في وثائق
سجل المحكمة الشرعية.
لم أعثرْ على تاريخ وفاته، لكن أولاد أخيه
مصطفى تسلّموا الوظائف والرياسة مع عمّهم
منذ العشرينات.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
وفاء أفندي العلمي
المصدر: كتاب "أعلام فلسطين اواخر العهد
العثمانيّ"، للمؤلّف عادل منّاع:
(توفّي سنة 1834)
متولي الخانقاه الصلاحي، وشيخ الصوفية.
ومتولي أوقافهم في القدس. وقد تولّى أيضاً
نقابة الأشراف فترات قصيرة عدة مرات، كما
عُيّن لوظيفة ناظر الحرمين الشريفين منذ
سنة 1240ھ/1824-1825م على الأقل.
ورث وفاء بن نجم الدين العلمي مشيخة
السادة الصوفية في القدس عن والده
وأجداده. وارتبطت بتلك الوظيفة التولية
على وقف الخانقاه الصلاحية. وبالإضافة إلى
وظيفته تلك عُيّن عدة مرات، وفترات قصيرة،
نقيباً لأشراف القدس. وكان عمر أفندي
الحسيني، وابنه من بعده، نقيبيْ الأشراف
في القدس في النصف الأول من القرن التاسع
عشر. لكن الدولة العثمانية كانت أحياناً
تعزِل آل الحسيني عن نقابة الأشراف
فتُعيّن وفاء أفندي لها. ثم منذ سنة
1240ھ/1824-1825م على الأقل، عُيّن وفاء
أفندي متولياً على وقف الحرمين الشريفين.
وكان لهذه الوظيفة الأخيرة أهمية كبيرة،
لما لمتولّي تلك الأوقاف من أهمية
اقتصادية ونفوذ واسع. وشغل وظائفه تلك حتى
وفاته في أواسط ذي الحجة 1249ھ/أواخر
نيسان (أبريل) 1834م. وانتقلت بعده إلى
ابنه عبد الله وابن عمه فيض الله العلمي.
ونافس عبد الله، نجل وفاء، آل الحسيني على
نقابة الأشراف، فعُيّن لتلك الوظيفة عدة
مرات في الأربعينات والخمسينات، بدلاً من
محمد علي أفندي الحسيني. وعموماً، فإنّ
عائلة العلمي في القدس تولّتْ وظائف دينية
وإدارية مهمة في القرن التاسع عشر. وقد
هاجر منها سنة 1260ھ/1844م مصطفى بن محمد
بن وفاء العلمي إلى غزة، حيث عُيّن قاضياً
فيها، فأحضر أولاده وعياله معه وتوطّن
فيها. فعُرِف هذا الفرع من نسل وفاء في
غزة باسم عائلة وفاء العلميّ. وظهر منها
علماء وأعيان كبار، كما هي الحال في
القدس. وظهر منها أيضاً فرعٌ في اللد
اشتُهِر باسم الجد سعودي العلميّ، ويُقال
أيضاً إنّ لآل العلمي فروعاً أُخرى في
بلاد الشام، مثل دمشق وحلب وحمص وطرابلس
الشام.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
شهاب الدين ابن عبية المقدسي
المصدر: الدكتور أسامة الأشقر- نقلاً عن
موقع مؤسسة فلسطين للثقافة:
أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر
بن عبية، شهاب الدين قاضي القدس الشريف
الشهير بابن عبية المقدسي الأثري الشافعي.
ولد في12/ ربيع الأول/831 هـ، واشتغل
بالقدس الشريف وحصّل معارفه الأولى فيها،
وولي قضاء بيت المقدس.
اشتهر بحسن النظم وجمال الخط وشدة الأسر
في الوعظ والخطابة.
اشتهر بمواقفه الجريئة الشجاعة ولعل
أشهرها وقفته ضد السلطان قايتباي الجركسي
المملوكي في قضية هدم كنيسة اليهود في بيت
المقدس، حيث أمر قايتباي بإعادة كنيسة
اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها، وعاقب
مجموعة من كبار العلماء والقضاة منهم
الشيخ الجليل برهان الدين الأنصاري
الخليل، وقاضي بيت المقدس شهاب الدين ابن
عبية ، بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه،
وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنّع ابنُ عبية
على قايتباي في ذلك، وبالغ في حقه حتى زعم
أنه لم يفعل ذلك إلا لمودة بينه وبين
اليهود، وتعصب منه على الدين، وقد استوفى
القصة مجير الدين الحنبلي العليمي صاحب
الأنس الجليل حيث روى كيف أصدر القاضي ابن
عبيه أوامره المشددة بعدم صلاة اليهود في
كنيستهم لأنه ثبت لديه أنها محدثة في
الإسلام وليست قديمة وأنه لا حق لهم فيها
بل إنها من جملة أوقاف المسجد الأقصى،
واعترض على فتوى علماء مصر في إعادة
بنائها وإرجاع وقْف دار يهودية لهم ، وهو
الأمر الذي رفضه السلطان وأصر على موقفه ،
وأصدر مرسوماً بذلك، فلم ترض العامة
ومشايخ الطرق الصوفية بإرجاع الكنيس ،
فحدثت في القدس ضجة يتقدمها قاضي الشافعية
ابن عبية وبعض القضاة، وأرسلوا كتباً
للسلطان يتهمونه فيها بممالأة اليهود
وأظهر اليهود غبطة كبيرة بما حصل، فطلب
السلطان ابن عبية وبرهان الدين الأنصاري
وآخرين إلى مصر مخفورين بالحراسة مُهانين
لمعاقبتهم بعدما أصروا على هدم الكنيس
وتحدوا السلطان وهدموه فجرت بذلك محنة
كبيرة لهؤلاء العلماء والقضاة.
بعد ذلك عُزل ابن عبية من منصبه وأوذي
وضرب فارتحل إلى دمشق وسكن بها واشتغل
بالوعظ والإرشاد بالجامع الأموي. وقد سجّل
ابن عبيه موقفه وشعوره من هذه المحنة في
قصيدة طويلة بدأها مستغيثا بالله مما
أصابه أولها:
يا رب مس الضـر قلبي وانكســر فاجبر لكسري
أنت أرحم من جبر
وأغث فقد أمسيت منقطـع الرجـــا ممـا
ســـواك وما بغيرك يُنتصَــر
ناداك في الظلمات يونس ضارعاً وكـذاك
أيـوب وقــد عظم الضرر
كان بقرب ناعورة على النهر تدور وتئن
فقال:
وناعورة أنّت فقلت لها: اقصــري أنينك هذا
زاد للقلب في الحــزن
فقـالت: أنينـي إذ ظننتـك عاشــقاً ترق
لحال الصب قلت لها: إنـي
ومن شعره:
بـأبي أزجّ حـــواجـــــب وعـيـــــون سلب
بصـــاد للقلوب ونـــون
فــفــــؤادي المـعتـــل منــه ناقــــص
بمثال ذاك الأجوف المقـــرون
يا نظرة قد أورثت قلــــبي الــــردى بأبي
جفــون معذبي وجفونــي
نظرت غزالاً ناعساً يرعى الكــــرى فهي
التي جــلبـت إلي منـوني
قال العذول: وقعت في شرك الهـوى فأجبت هذا
من فعــال عيـونـي
يا قـاتــــل الله العـــــيــــون
فإنـــــها حكمت علينا بالهوى والهـــون
إلى أن قال وأجاد:
خدعوا فـؤادي بالوصال وعندمـا ثبت الهوى
في أضلعـي هجروني
هجروا ولو ذاقوا الــذي قد ذقتــه تركوا
الصــدود وربما وصلـوني
لم يرحمــوني حيـــن حان فراقهم ما
ضـــرّهم لــــو أنهم رحـمـوني
ومن العجائب أن نسوا ودي ومن ودي
لــــهــم كـل الورى عرفوني
وقال في ملخصها مادحاً لرسول الله صلى
الله عليه وسلم:
ما مخلصي في الحب من شرك الهـــوى إلا
بمـــدح المصطــفى المأمـــون
زين الأعارب في القــراع وفي القــــرى
ليــــث الكتـــائب لم يخف لمنــون
بدرٌ تبـــــــدّى في حنــيـــــــن
للوغـــــا فسبى عـداه بصـــارم
وحـنيــــــن
في البـــــأس ما في النــاس مثل محمد
كلا، وقال: افي الحسن والتمكيــن
هو فاتــــح كالحـــمــــد أول ســــــورة
وجــميع أهــل القــرب كالتأميـــن
وله تخميسٌ جميل لبردة البوصيري لم أطّلع
عليه.
توفّي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى
سنة 905هـ، ودُفِن شمالي ضريح الشيخ حماد
في مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
عبد القادر الحسيني
(1908-1948)
يبكي العالم اليوم لدماء الأطفال والشباب
الفلسطيني التي تروي أرض فلسطين. ولكن يجب
أنْ نعرف أنّ أشجار الحرية لا تنمو إلا
بدماء الشهداء. كما يجب أن نعلم أن هذه
الدماء ليست بأول النهر ولا بآخره، وأنّ
هذا الشباب له قدوةٌ سابقون قدّموا حياتهم
ودماءهم لهذه الأرض. فجاء اللاحق على خطا
السابق. وهذا السابق ليس ببعيد زماناً ولا
مكاناً، ومن أبرز هؤلاء الشهداء عبد
القادر الحسيني رحمه الله.
النشأة:
والده هو (موسى كاظم) بن سليم الحسيني،
شغل عدة مناصب مهمة في الدولة العثمانية
وحصل على لقب باشا، وعمل متصرفاً
(مسؤولاً) لنجد. كما عمل في اليمن
والعراق، وكان عضواً بمجلس (المبعوثان)
(المجلس النيابي) بإستانبول نفسها.
عاشت الأسرة بحيّ الحسينية بالقدس. وقد
شغل منصب رئيس بلدية القدس أثناء الحرب
العالمية الأولى. وظلّ في هذا المنصب حتى
وفاته في عام 1934. كان بيت الوالد ملاذاً
وموئلاً للمجاهدين والمفكرين الوطنيين.
وقاد الوالد العديد من المظاهرات ضدّ
الاحتلال البريطاني منذ عام 1920م. وتوفي
نتيجة إصابته في مظاهرات عام 1933.
وُلد الشهيد عبد القادر الحسيني في
إستانبول في 8/4/1948م. تلقّى العلم في
إحدى زوايا القدس. ثم انتقل إلى المدرسة
العصرية الوحيدة وهي مدرسة (صهيون)
الإنجليزية. وقد أشرفت على تربيته جدّته
لأمه نزهة بنت علي النقيب الحسيني، وذلك
لوفاة أمه بعد ميلاده بعامٍ ونصف. وقد كان
له أربعة من الأخوة (فؤاد وكان مزارعاً-
رفيق وكان مهندساً- سامي وكان مدرساً-
فريد وكان محامياً) وثلاثة من الأخوات.
اشترك في صباه بالمظاهرات الوطنية. واهتم
بجمع الأسلحة والتدرب عليها منذ بلغ
الثانية عشرة. حصل عبد القادر على تعليمه
الثانوي من مدرسة (روضة المعارف). والتحق
بعد ذلك بالجامعة الأمريكية ببيروت.
ولنشاطه الوطني ورفضه لأساليب التبشير تمّ
طرده من الجامعة، فالتحق بالجامعة
الأمريكية بالقاهرة (قسم الكيمياء)، وحرص
على أنْ لا يُظهِر نشاطه أو اعتراضه حتى
يحصل على شهادته.
وفي حفل التخرج –وكان من المتفوقين- تقدم
إلى منصة الحفل وأعلن –بين دهشة الجميع-
أنّ هذه الجامعة لعنة على هذه البلد بما
تبثّه من سموم وأفكار، وأنّه سينادي
الحكومة المصرية أنْ تعمل على إغلاقها:
وتعلن الجامعة الأمريكية في اليوم التالي
سحب شهادة الطالب عبد القادر الحسيني،
وتعمّ الفوضى، خاصةً أنّ عبد القادر قد
أسّس رابطةً للطلبة الفلسطينيين كان هو
رئيسها. وحسْماً للموقف تقدّم عبد القادر
وأعاد شهادة الجامعة إليها. وحاولت
الجامعة منع نشر الخبر. ولكنّه تقدّم
ببيانٍ واضح لكافة الصحف المصرية، فكان
الجزاء هو طرده من مصر بأمرٍ من حكومة
إسماعيل صدقي.عاد بعدها عبد القادر إلى
القدس عام 1932م. وقد تزوج عبد القادر عام
1935م من فلسطينية. ورُزِق منها ثلاثة
ذكور وفتاة واحدة.
الأعمال والمناصب التي تولاها:
عمل محرّراً صحافياً في العديد من الصحف
والجرائد (جريدة الجامعة الإسلامية، جريدة
الجامعة العربية، صحيفة اللواء)، ولقوّة
مقالاته المعادية للاستعمار كانت سلطات
الاحتلال البريطاني تغلق الصحف التي يعمل
بها. وتعلق عودتها على وقف مقالات عبد
القادر الحسيني.
كما عمل موظفاً في إدارة تسوية الأراضي،
وهي الإدارة الخاصة بتسجيل أو نزع ملكية
الأراضي في فلسطين. وفيها عرف كيف يمهّد
الاحتلال لإقامة دولة صهيونية في فلسطين.
فنشر عدة مقالات في فلسطين والعراق وغيرها
يشرح فيها المؤامرة البريطانية الصهيونية.
وقاد مظاهرة مع والده عام 1933م ضدّ
المؤامرة البريطانية وفيها أصيب والده
بجروح أفضت به إلى ربه.
من أهم أعماله أثناء وظيفته: تحويل كثيرٍ
من أراضي القرى إلى أوقاف إسلامية، حتى لا
يتمكّن اليهود من الاستيلاء عليها. كما
أوقف العديد من الصفقات المشبوهة.
تسلّم عبد القادر إدارة مكتب الحزب العربي
الفلسطيني في مدينة القدس عام 1935م. وبدأ
بتنظيم وحدات فلسطينية سرية، ودرّبها
وجهزها بالسلاح. وعُرِفت فيما بعد باسم
جيش (الجهاد المقدس).
عمل مدرساً للرياضيات في بغداد في المدرسة
العسكرية بمعسكر الرشيد عام 1939م (حيث
كان هارباً من القوات الإنجليزية). ثمّ
حصل على دورة ضباط احتياط في الكلية
العسكرية ببغداد لمدة 6 أشهر عام 1940م.
كما حصل على دورة عسكرية في ألمانيا.
وتدرّب فيها على تصنيع وتفجير القنابل
والألغام عام 1944.
لقد كان قائداً لمعسكر فلسطينيّ عربيّ على
الحدود الليبية المصرية عام 1947م، درّب
فيه مجموعات فلسطينية وعربية على فنون
القتال والعمليات العسكرية. وقاد قطاع
القدس في حرب فلسطين 1948م.
جهاده:
بدأ جهاده منذ عام 1935م، إذ آمن بأنّ
الجهاد المسلح هو الطريق الوحيدة للوصول
إلى الحرية. وقد تأكّد له ذلك المعنى بعد
استشهاد الشيخ عز الدين القسام. فبدأ
بتنظيم وحدات من الشباب، وتدريبهم على
السلاح.
وقد بدأ عبد القادر بنفسه، فألقى قنبلة في
عام 1936م على منزل سكرتير عام حكومة
فلسطين، والثانية على المندوب السامي
البريطاني، ثم تمكّن من تصفية الميجور
سيكرست مدير بوليس القدس ومساعده. ثمّ
بدأت أعمال الوحدات الفلسطينية في عام
1936م، فهاجموا القطارات الإنجليزية
وقطعوا خطوط الهاتف والبرق.
وبعد استكمال التدريب المناسب، أعلن عبد
القادر الجهاد على الإنجليز. وبدأت
المواجهات الحقيقية مع القوات الإنجليزية.
وقد بلغت ذروتها في عام 1939م في موقعة
الخضر. وقد أصيب فيها عبد القادر إصابة
بالغة وعولج، ولجأ بعدها إلى العراق.
وعندما قامت ثورة العراق عام 1941م خاض
عبد القادر المعارك إلى جانب العراقيين
ضدّ الإنجليز. واستطاع ببسالته وقف تقدم
القوات البريطانية مدة عشرة أيام على
الرغم من فارق العدد والعُدّة، وبعد ذلك
اختبأ في بيته، ولكنه قُبِض عليه ومعه
زملاؤه، واستمر في الحبس مدة ثلاثة سنوات.
ذهب إلى مصر في 1/1/1946م لمراجعة الأطباء
بعد أنْ آلمته جروحه من معاركه الكثيرة.
وهناك وضع خطة إعداد المقاومة الفلسطينية
ضدّ الدولة الصهيونية المرتقبة. وهناك وضع
خطة لتنظيم عمليات تدريب وتسليح وإمداد
المقاومة الفلسطينية. وأنشأ لهذا الغرض
معسكراً سرياً (بالتعاون مع قوى وطنية
مصرية وليبية) على الحدود المصرية الليبية
لإعداد المقاتلين.
درّب مقاتلين مصريين على القيام بأعمال
قتالية (وهم المقاتلون الذين شاركوا في
حملة المتطوعين في حرب فلسطين، وفي حرب
القناة ضد بريطانيا بعد ذلك). كما نسّق مع
قائد الهيئة العربية العليا ومفتي فلسطين
الحاج (أمين الحسيني) لتمويل خطته وتسهيل
الحركة على جميع جبهات فلسطين. ونسّق
العمل مع المشايخ والزعماء داخل فلسطين.
أنشأ عبد القادر معملاً لإعداد المتفجرات،
ودرّب مجموعات فلسطينية. وأقام محطة إذاعة
لتتولى إذاعة البيانات الصادرة عن
المقاومة الفلسطينية وحثّ المجاهدين، وذلك
في منطقة رام الله. وأقام أيضاً محطة
لاسلكية في مقر القيادة المختار بمنطقة
بيرزيت، وصنع شيفرة اتصالٍ حتى لا يتعرّف
الأعداء على مضمون المراسلات.
إلى ذلك أيضاً نظّم فريق مخابراتٍ لجمع
المعلومات عن العدو، ونظّم فرق ثأرٍ لردع
عمليات القتل اليهودية، ونظّم الدعاية في
الوطن العربي.
بعد قرار التقسيم دخل فلسطين وقاد قطاع
القدس ووقف زحف القوى اليهودية. وقاد
هجوماً على حي (سانهدريا) مقرّ قيادة
عسكرية لليهود، وعلى مستعمرة النبي يعقوب.
وكذلك هجم على (مقر حاييم) وكان مركزاً
للهجوم على الأحياء العربية، وقد قضى
عليهم فيه.
وشارك في معركة صوريف في 16/1/1948م .
وفيها قضى على قوة يهودية من 50 يهودياً
مزوّدين بأسلحة ثقيلة و12 مدفع برن
بالإضافة إلى الذخيرة والبنادق. كما قاد
عدداً آخر من المعارك مثل (بيت سوريك، رام
الله، اللطرون، النبي صموئيل، بيت لحم
الكبرى)، وآخرها معركة القسطل..
استشهاده:
ضرب عبد القادر الحسيني خلال معركة القسطل
غير المتكافئة مثلاً رائعاً في التضحية
والحماسة والاندفاع، وتفاصيل المعركة تدور
كما دوّنها المؤرّخون أنّ الحسيني غادر
القدس إلى دمشق في أواخر آذار عام 1948
للاجتماع بقادة اللجنة العسكرية لفلسطين
التابعة لجامعة الدول العربية، أملاً في
الحصول على السلاح ليشدّ من عزم المقاومين
على الاستمرار والاستبسال في القتال، إلا
أنّه ما لبث أنْ عاد إلى القدس مجدّداً
فور علمه بمعركة القسطل التي بدأت بشائرها
وهو خارج القدس، لكنّه لم يحملْ ما ذهب
إليه إلا نصف كيسٍ من الرصاص، واتّجه به
مسرعاً إلى القسطل وهناك في السابع من
نسيان من العام ذاته عمد أولاً إلى إعادة
ترتيب صفوف المجاهدين بدقّة ونظام وكان هو
في موقع القيادة، وعلى الرغم من استبسال
كلّ الجهات المقاومة في القتال إلا أنّ
ضعف الذخيرة وقلّتها أدّت إلى وقوع الكثير
من المجاهدين بين مصابٍ وشهيد، وهنا اندفع
عبد القادر الحسيني لتنفيذ الموقف وقام
باقتحام قرية القسطل مع عددٍ من المجاهدين
إلا أنّه ما لبث أنْ وقع ومجاهدوه في طوق
الصهاينة، وتحت وطأة نيرانهم، فهبّت نجدات
كبيرة إلى القسطل لإنقاذ الحسيني ورفاقه
وكان من بينها حراس الحرم القدسي الشريف،
وتمكّن رشيد عريقات في ساعات الظهيرة من
السيطرة على الموقف وأمرَ باقتحام القرية
وبعد ثلاث ساعات تمكّنوا من الهجوم وطرد
الصهاينة منها ومن ثمّ فر من تبقّى منهم
بسيارات مصفحة إلى طريق يافا، غير أنّ
المقاومين لم يكتفوا بذلك وأرادوا ملاحقة
جموع الصهاينة الفارين غير أنّهم وجودوا
جثمان الشهيد عبد القادر الحسيني ملقى على
الأرض الأمر الذي كان له وقْعٌ أليم جداً
على رفاقه وعلى الأمة جميعها إذْ زلزل
النبأ قلوب كلّ من عرفوه وعايشوه فكانت
جنازته مهيبة أمّها الجميع صغاراً وكباراً
مقاومين وأناساً آخرين عرفوه إنساناً
وطنياً مخلصاً لدينه ووطنه..
ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر
الحسيني أبت قوات الاحتلال الصهيوني إلا
أنْ ترتكب مجزرة أخرى، فعمدت إلى مهاجمة
قرية دير ياسين فلم يبقَ فيها شيءٌ ينبض
بالحياة، فقط ركام المنازل وأشلاء
الفلسطينيين!.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
إسحاق مصطفى درويش
المصدر: مجلّة فلسطين المسلمة- العدد
العاشر- السنة الـ25- تشرين أول (أكتوبر)
2007م
(1896-1974م)
لإعداديّة في القدس، وقسماً من دراسته
العليا في بيروت، ثمّ تخرّج ضابطاً في
الجيش العثمانيّ في الحرب العالميّة
الأولى.
وبعد الاحتلال البريطانيّ لفلسطين انصرف
درويش إلى العمل في مجال الحركة الوطنيّة
الفلسطينيّة من أوّل أدوارها. فاشترك في
تأسيس النادي العربيّ وكليّة روضة المعارف
الوطنيّة بالقدس، وشارك في تأليف
المؤتمرات الفلسطينيّة ولجانها
التنفيذيّة.
ولمّا طاردت السلطات البريطانيّة رجال
الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة هاجر من
فلسطين مع من هاجر من كرام الوطنيّين
وقادة الثورات الفلسطينيّة المتعاقبة،
فقضى شطراً من حياته في لبنان والعراق
وأوروبا برفقة الحاج محمد أمين الحسينيّ،
ثمّ استقرّ في مصر عضواً في الهيئة
العربيّة العليا لفلسطين، وكان المستشار
الأول للحاج أمين الحسينيّ.
وأخيراً، عاد إلى القدس ليقضي فيها سني
حياته الأخيرة، حيث وافته المنيّة مساء
الجمعة (15 جمادى الآخر سنة
1394هـ-1974م)، ودُفِن فيها.
>>>>>>>>>>>>>>>>>
إبراهيم أبو غوش
المصدر: كتاب أعلام فلسطين في أواخر العهد
العثمانيّ- للأستاذ عادل منّاع:
أحد زعماء آل أبو غوش في النصف الأول من
القرن التاسع عشر. تولّى مع أخيه جبر
زعامة بني مالك وقيادة صف اليمن مدة
طويلة، ولذلك لُقّبا بمشايخ جبل القدس.
وشارك في ثورة سنة 1834 على الحكم المصري
في فلسطين، فسجنه إبراهيم باشا في عكا.
وعقد الأخير صفقة مع آل أبو غوش أطلق
إبراهيم بموجبها وعيّن أخاه جبر متسلم
(حاكم) سنجق القدس في مقابل انسحابهما من
صفوف الثوار، الأمر الذي أضعف تلك الثورة
وسهل على إبراهيم باشا عملية القضاء على
التمرد.
يتفق معظم المصادر والمرجع العربية
والأجنبية على أنّ أصل آل أبو غوش من
العساكر الشراكسة (1)، قدِموا إلى البلد
مع الفتح العثمانيّ. وفي القرن السادس عشر
عيّنتهم الدولة لحراسة الطريق الرئيسة بين
يافا والقدس، فسكنوا قرية العنب وبنوا
مركزهم فيها. وأصبح آل أبو غوش بعد ذلك من
العائلات الإقطاعية القوية في المنطقة
وزعماء صف اليمن في جبل القدس.
ويرتبط اسم العائلة بقرية العنب ومشيختها
منذ أواسط القرن الثامن عشر. وقد برز في
أواخره الشيخ عيسى أبو غوش الذي يُعتبر
مؤسس العائلة. وفي نهاية القرن الثامن عشر
توفي عيسى أبو غوش، زعيم العائلة، وخلّف
أولاده الأربعة، عثمان وإبراهيم وجبر وعبد
الرحمن، الذين أصبحوا مؤسسي فروع آل أبو
غوش الرئيسية حتى يومنا هذا.
وبعد وفاة عثمان البكر ورثه إبراهيم في
زعامة العائلة ومشيخة ناحية بني مالك.
وذلك منذ أواخر سنة 1226ھ/1811م على
الأقل. ففي ذلك التاريخ يرد اسمه في سجل
المحكمة الشرعية في القدس مقروناً بلقب
شيخ مشايخ نواحي القدس. ووطّد إبراهيم
زعامته على المنطقة بالتعاون مع إخوته
وأقاربه، واصطدم في سبيل ذلك مع العائلات
الإقطاعية المنافسة، وعلى رأسها آل سمحان،
زعماء صف القيس في جبل القدس. واستمرت
المناوشات بين الصفين مدة طويلة، وكانت
المعارك بينهم تتجدد بين الفينة والأخرى،
لكن التفوّق فيها كان غالباً لآل أبو غوش
في ذلك العهد.
وكان لمشايخ النواحي التزام جمع الضرائب
في مناطقهم، فقوى ذلك مركزهم الاقتصادي
والاجتماعي أيام ضعف الإدارة والحكم
العثماني في المنطقة. فقد جمع هؤلاء ثروة
كبيرة من وظيفتهم تلك، بالإضافة إلى ضريبة
الغفر التي كانوا يجبونها من أهل الذمة
المارين على الطريق بين القدس ويافا. وقد
وصل مركز إبراهيم وعائلته أوجه في النصف
الأول من القرن الماضي وحين قام تمرد في
القدس على الحكم العثماني في فترة
1824-1826 لم يستطعْ ولاة الشام وعكا
إعادة احتلال المنطقة مدة طويلة. ولم
ينجحْ عبد الله باشا، والي عكا، في ذلك
إلا بعد استمالة إبراهيم أبو غوش وجماعته
وتعهّدهم فتح الطريق أمام جنوده. وفعلاً
تقدّم جيشه إلى القدس. وبعد حصارٍ قصير
للمدينة فتحت سلماً وعاد الحكم فيها إلى
والي الشام.
وحين تقدّمت جيوش محمد علي باشا لاحتلال
فلسطين في أواخر سنة 1831، طلب إبراهيم
أبو غوش الأمان، وقدّم الطاعة للحاكم
الجديد. وكانت سياسة محمد علي وحكمه
للمنطقة يتناقضان ومصالح أبو غوش منذ
البداية. فقبل فتح عكا اصدر إبراهيم باشا
الأوامر إلى علماء القدس وأعيانها بإبطال
ضريبة الغفر والأموال المفروضة على
الكنائس والأديرة. وأدّت هذه السياسة إلى
التذمّر والسخط بين عائلات العلماء
والأعيان في لواء القدس، فتخوّف إبراهيم
باشا من قيام ثورةٍ قبل تمكّنه من
المنطقة. لكن إبراهيم باشا أتمّ احتلال
الشام وأقام حكْماً مركزياً قوياً كانت
نتيجته الحتمية تضييق الخناق على نفوذ
مشايخ الإقطاع في المناطق الريفية، أمثال
أبو غوش. ولذا، حين قامت الثورة على الحكم
المصري في فلسطين سنة 1834 اشترك فيها آل
أبو غوش وعلى رأسهم إبراهيم وأخوه جبر.
وألقى إبراهيم باشا القبض على الأخيرين
وألقاهما في سجن عكا. لكن محمد علي توصّل
معهما إلى اتفاقٍ ينسحبان بموجبه من
الثورة في مقابل العفو عنهما وإعادتهما
إلى زعامتهما وتعيين جبر متسلماً على
القدس. وفعلاً نفّذ الاتفاق ونجح الحكم
المصري في القضاء على الثورة في جبل
القدس، وعيّن جبر متسلّماً على اللواء في
صيف سنة 1834. ولما كان إبراهيم في ذلك
الحين عجوزاً هرِماً قام أخوه جبر بالدور
الرئيسي في الزعامة والمشيخة. وبقِيَ
إبراهيم على قيد الحياة حتى سنة 1836 على
الأقل، إذْ يذكر اسمه مع أخيه جبر في حجج
بيع وشراء عديدة تم تسجيلها في سجل
المحكمة الشرعية في القدس. وتضعضع نفوذ آل
أبو غوش في المنطقة مؤقتاً إبان الحكم
المصري، وتوفي إبراهيم في أواخر
الثلاثينات، لكن ابنه مصطفى قام بدور مهم
بعد عودة الحكم العثماني في الأربعينات،
كما سيجيء تفصيل ذلك في ترجمته.
(1) أكّدت مراجع علميّة أخرى أنّ أصل آل
أبو غوش يعود إلى قبيلة شمر الطائية.. وقد
سُمّيت العائلة بهذا الاسم نسبةً لمؤسسها
وهو الزعيم القبلي محمد الملقب بأبي غوش،
ابن عبد الله بن الضرغام من الفداغة من
سنجارة من زوبع من شمر من طيء القحطانية،
حيث قدم هذا الزعيم من الحجاز في بدايات
القرن الثامن عشر الميلادي وكان أول ظهورٍ
له في السجلات المدنية للمحاكم الشرعية في
القدس حيث أوّل ما سكن سكن مدينة القدس.
ومن ثمّ انتقل إلى قرية العنب التي
تزعّمها فيما بعد وسمّيت باسمه "قرية
أبوغوش".. ومن أولاده عيسى وعبدالله
الملقّب بـ"أبو قطيش".
ومن رجالات أبو غوش الشيخ مصطفى أبو غوش
الذي كان ندّاً قويّاً للحكومة
العثمانيّة. وتوجد عائلات قريبة لـ"أبو
غوش" منها البطاينة في الأردن حيث هم
أبناء عمومة، والأحمد وأبو بكر والحوت في
فلسطين والأردن، فهي تجتمع في الأصل عند
الضرغام الفداغة سنجارة الشمرية.
وأبو غوش رأس صف اليمانية في جبل القدس
حيث صمدوا أمام القيسية في الشمال والغرب
والجنوب كما قال إحسان النمر. وعائلة
أبوغوش تنتشر اليوم في القدس وقرية العنب
وقرية عمواس المهجّرة ورام الله وغزة.
المصادر:
عمواس.. تأليف يعقوب أبوغوش- 2004.
عشيرة البطاينة من بطون شمر في
الأردن-2005.
تاريخ شرقي الاردن وقبائلها، فردريك
بيك-1934.
تاريخ جبل نابلس والبلقاء،1975، إحسان
النمر.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
أحمد آغا العسلي الدزدار
المصدر: كتاب "أعلام فلسطين في أواخر
العهد العثمانيّ"، للأستاذ عادل منّاع:
(توفي سنة 1290ھ/1873م)
قائد قلعة القدس (دزدار) في النصف الأول
من القرن التاسع عشر، ومتسلم اللواء،
ووكيل المتسلم أكثر من مرة خلال تلك
المدة. جمع ثروةً كبيرة واشترى الكثير من
الأراضي، وأصبح من أعيان المدينة البارزين
في أواسط القرن الماضي.
هو أحمد آغا بن فضل الدين آغا العسلي.
والعسلي عائلة عريقة في بيت المقدس، عُرِف
منها كبار العلماء. لكن بعض أفرادها دخل
الجندية، وخصوصاً في حراسة القلعة فعُين
منهم قائد القلعة، الدزدار ولما شغل أفراد
العائلة هذه الوظيفة جيلاً بعد جيل، غلب
هذا الاسم على العائلة. وكان والده
دزداراً، وجابياً للضرائب من القرى
التابعة للخاص السلطاني. وانضمّ أحمد آغا
إلى جند القلعة. ولما توفّي والده انتقلت
الوظيفة إليه.
وحين نشبت ثورة 1825-1827 في القدس على
رجال الدولة العثمانية، كان أحمد آغا أحد
قادة تلك الثورة. وبسبب مؤهلاته العسكرية
قاد مع يوسف آغا الجاعوني عملية الدفاع عن
القدس بعد طردِ رجال الدولة منها. وطلبت
الدولة من عبد الله باشا، حاكم عكا، إعادة
فتح المدينة وتخليصها من أيدي المتمردين.
وبعد عدة أيام من حصار المدينة وقصفها
بالمدافع، توسّط العلماء بين قائد الجيش
المحاصِر وبين قادة الثورة. وسُلّمت
المدينة شرط العفو عن الثوار وعدم
معاقبتهم. فأرسل أحمد آغا ويوسف الجاعوني
إلى عكا. وتقرّر العفو عنهما مع نفيهما عن
بيت المقدس. وأمّا أحمد فقد أُبعِد إلى
نابلس مدة قصيرة فقط، ورجع إلى القدس
بعدها وإلى منصبه في قيادة القلعة. وخلال
العقد الثاني من القرن الماضي، أُوكِل إلى
أحمد آغا منصب الميرالاي أيضاً، وهو قائد
أصحاب الإقطاعات من الزعماء وأرباب
التيمار في لواء القدس. وبعد عامٍ من
تعيينه بالوكالة، عُيّن في تلك الوظيفة
بالأصالة سنة 1241ھ/1826م. وفي رمضان
1244ھ/1829م عيّنه والي الشام متسلماً في
لواء القدس بالوكالة بعد عزل المتسلم
السابق.
ولما جاء الحكم المصري في الثلاثينات، ضعف
مركز أحمد آغا في البداية لكنه تأقلم مع
الحكام الجدد وتعاون معهم. وعيّنه محمد
شريف باشا حكمدار إيالات الشام ليكون
متسلّماً للواء القدس في 9 ذي القعدة
1254ھ/24 كانون الثاني (يناير) 1839
وبقِيَ في منصبه ذاك حتى 22ربيع الثاني
1256ھ/23 حزيران (يونيو) 1840م. وأُعطِيَت
المتسلّمية إلى حسين راشد آغا. لكن الحكم
المصري كان آخر أيامه، لما انسحبوا من
البلد وعاد العثمانيون في 6 تشرين الثاني
(نوفمبر) عيّنوه متسلماً بالوكالة مرة
ثانية. وفي مدة تسلّمه الحكم في القدس في
أواخر العهد المصري، أثيرت قضية ساحة
البراق التي طالب اليهود بالسماح لهم
بتبليطها. وقد عارض المتولّون على وقف أبي
مدين الغوث وعلماء بيت المقدس طلبهم هذا،
فرُفع الأمر إلى السلطات المصرية العليا.
وفي أيار (مايو) 1840م صدر مرسوم محمد
شريف بمنع اليهود من تبليط ساحة البراق
لأنها (تابعة لوقف أبي مدين ولم يسبقْ لهم
هكذا أشياء بالمحل المذكور) ولذا يسمح لهم
بالزيارة فقط من دون رفع أصواتهم وقت
الصلاة.
وبعد عودة الحكم العثماني واستقراره، لم
يتكرّرْ تعيين أحمد آغا متسلماً للواء
القدس ثانية. لكنّه عُيّن في عدة وظائف
أخرى. فقد عُيّن متولياً على أوقاف خيرية
مهمة، بما فيها التكية العامرية، وناظراً
لأوقاف خاصكي سلطان، بالإضافة إلى وظيفة
الدزدار، قائد القلعة. وفي 19 ربيع الأول
1262ھ/17 آذار (مارس) 1846م عُيّن مأمور
ضبطية الخليل. وفي الأعوام التالية استوطن
أحمد آغا القدس. وكان ابنه محمد علي ينوب
عنه في الكثير من أعماله. وجمع أحمد آغا
من خلال عمله ثروة عظيمة، فاستثمر قسماً
منها في شراء الأراضي في المناطق القريبة
من القلعة. وفي تلك الفترة، في أواسط
القرن الماضي، ازدادت أهمية القدس وقدُم
الأجانب من مسيحيين ويهود، واستثمروا
أموالهم في البناء والإعمار. وبدأت عملية
البناء خارج الأسوار، فارتفعت قيمة
الأراضي، وتاجر أحمد آغا فيها حتى أصبح من
أثرياء القدس وأعيانها البارزين. وفي سنة
1271ھ/1855م باع أحمد آغا موشيه (موزس)
مونتفيوري، الثري الصهيوني البريطاني
المشهور، قطعة الأرض التي أقيم عليها حي
يمين موشيه أو مشكنوت شأننيم، في الجهة
الجنوبية الغربية من القلعة. وقبض أحمد
آغا ثمن تلك الأرض مبلغاً قدره اثنا عشر
غرشاً أسدياً، وهي العملة الدارجة في ذلك
العهد. وقد بنى لنفسه، مثل باقي أعيان بيت
المقدس، قصْراً فخماً خارج الأسوار،
ويُقال إنّ اليهود ساعدوه في بنائه. وقد
عمر طويلاً، إذ توفّي سنة 1873، أي بعد
عام واحد من وفاة ابنه البكر الذي كان
أحمد آغا يعتمد عليه كثيراً.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ موسى إبراهيم البديري
المصدر: موقع عائلة البديري
(1871-1947)
هو موسى بن إبراهيم بن عثمان بن الشيخ
محمد بن بدير بن حبيش الشافعي المقدسي.
وُلِد في القدس عام 1871 وتوفي عام 1947.
تلقّى علومه في الأزهر الشريف حيث درس
الشريعة و الفقه الإسلامي ومن ثم عاد إلى
القدس وباشر عمله في الوعظ والإرشاد
مستعينا بمكتبة جده الشيخ محمد البديري
إلا أنّه عاد والتحق بكلية الشريعة في
الأستانة وبعد تخرّجه عاد إلى القدس ليدرس
العلوم الإسلامية في المدرسة الصلاحية
معزّزاً إياها بحلقات الدروس الدينية
والتي كان يعقدها في مكتبة البديري.
عمل الشيخ موسى في القدس قاضياً وتم
إبعاده من قِبَل الحاج أمين الحسيني إلى
حيفا إثر خلافٍ بينهما حول معارضته
استعمال الحاج أمين لأحد الدور الموقوفة
في باب السلسلة حيث إنّ الشيخ موسى كان
يعارض استغلال أصحاب النفوذ للممتلكات
العامة. وبعد عمله في حيفا انتقل إلى
مدينة نابلس وعمل أيضاً قاضياً فيها.
عاد إلى القدس وأكمل عمله بالقضاء
وانتُخِب كرئيسٍ قيميّ الصخرة المشرفة.
وانتخب ليرأس مجلس علماء فلسطين حيث كان
له غرفة بالحرم القدسي يعقد فيها الندوات
ويدرس فيها الطلبة. درس الشريعة في الكلية
الصلاحية التي أنشأها جمال باشا والتي
عادت اليوم للرهبان الفرنسيين. كان يستقبل
كبار علماء المسلمين وهم في طريقهم للحج
والعمرة للتدارس في أمور الإسلام
والمسلمين وله عدة مؤلفات ضُمَّت إلى
مكتبة جدّه الشيخ محمد بدير.
كان عالماً تقياً ورعاً مستقيماً نزيهاً
عن اللسان والبنان سديد الإيمان والتمسك
بالإسلام، بروحه وجوهره دون قشوره، يرفض
البدع ويتوخّى الدقة والصدق والأمانة
والإخلاص في حياته وعمله وقد كان على شدة
تدينه والتزامه بتعاليم الإسلام وأوامره
ونواهيه متسامحاً مع من يخالفه الرأي إلا
في حقيقة الدين، والقرآن، والأحاديث
الصحاح المتفقة مع القرآن.
وقد كان يستند في هذا إلى أنّ الشريعة
الإسلامية هي الشريعة السمحاء ويهتدي بما
جاء في قوله جل وعلا "وادْعُ إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن ولو كنت فظاً غليظ القلب لنفضوا من
حولك". وقد كان يفهم الدين الإسلامي على
أنّه ثورة على الوثنية والظلم والتسلّط
والاستبداد والاستغلال والأنانية
والاحتكار، ودعوة إلى الحبّ والإخاء
والمساواة إذْ لا عبودية إلا لله، وأنْ لا
فضل لأحدٍ على الآخر إلا بالتقوى وأنّ
الخلق كلهم عيال الله أحبّهم إليه أنفعهم
لعياله، ودعوة إلى التكافل والتضامن
والتعاون والإيثار، "ويؤثرون على أنفسهم
ولو كان بهم خصاصة"، ورفض الاقتتال
والتنابز والأنانية والتنافس إلا في خدمة
خلق الله وإحقاق الحق وإعلاء كلمة الله.
ومنذ احتلال القدس في أوائل ديسمبر سنة
1917 م من قِبَل الإنجليز بقيادة الجنرال
اللنبي، تعرّض الشيخ موسى لمضايقات
السلطات العسكرية فكان كثيراً ما يُستدعى
للتحقيق معه في الدروس التي كان يلقيها في
الحرم والتي كان يحذّر المسلمين فيها من
موالاة الإنجليز والاطمئنان إليهم
والتعاون معهم، وكانت عنده حلقات درسٍ في
علوم الدين والفقه واللغة العربية والتي
كان يعقدها في الجامع والمدرسة الملاصقة
لدار البديري الكبيرة في باب الحبس مقابل
المجلس الإسلامي الأعلى والتي تضمّ قبْر
الجدّ الكبير للعائلة الشيخ محمد بن بدير
منشئ الجامع والمدرسة وموقفها.
وقد وقعت مشادّات ومصادمات بين الشيخ موسى
البديري وبين الحاكم العسكري آنذاك
الجنرال "ستروس" إلى حدّ أنّه فكّر جدياً
بالهجرة إلى الحجاز هرباً من أذاهم.
وقبل منتصف سنة 1921 م عُيّن الحاج أمين
الحسيني مفتياً خلفاً لأخيه كامل الحسيني
الذي توفّي في هذه السنة، وتجدر الإشارة
هنا إلى أنّه سبق تعيين المفتي حملة شعبية
واسعة تطالب بتعين الحاج أمين الحسيني
مفتياً خلفاً لأخيه المتوفّى رغم أنّه لم
يفُزْ في الانتخابات التي أُجرِيت بين
العلماء وكان ذلك تعبيراً عن التضامن معه
كطريدٍ للسلطة وتأييداً له في كفاحه ضد
الانتداب ووعد بلفور والهجرة اليهودية
الصهيونية. وكان الشيخ موسى البديري من
بين المرشحين ونال أصواتاً أكثر من
الأصوات التي نالها الحاج أمين الحسيني
غير أنّ عائلة البديري عامة والشيخ عبد
الرحمن البديري وكامل البديري خاصة كانا
من أنصار تعيين الحاج أمين وأنشط الدعاة
له. ذلك لأنّ الحاج أمين الحسيني كان من
الوجهة السياسية أنسب من الشيخ موسى
البديري الذي كان ورعاً تقياً والسياسة
تتطلب الخداع والمكر والدهاء.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ فائق الأنصاريّ
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين:
وُلِد الشيخ فائق الأنصاريّ سنة 1895م
"خمس وتسعين وثمانمائة وألف ميلاديّة" في
منزلٍ بجبل صهيون قرب مقام نبيّ الله
داوود –عليه السلام-، وقد ظلّ فيه حتّى
نيّف على العشرين من عمره، ثمّ انتقل إلى
إحدى دور الأوقاف بالقرب من باب حطّة
بناحية باب الأسباط، ولعد جانْ قضى فيه مع
أمّه وأبيه وسائر إخوته نحو تسعة أعوام،
بنى لنفسه منزلاً في محلّة الشيخ جرّاح
شمال باب العمود.
ابتدأ الشيخ فائق حياته العلميّة بدراسة
القرآن وتجويده في المسجد الأقصى، ثمّ
التحق بالمدرسة الإسلاميّة الكائنة بظاهر
سور المسجد الأقصى من جهة باب الساهرة
والتي عُرِفت بعد سيطرة الانتداب
البريطانيّ على القدس باسم "كليّة الروضة"
والتي ظلّت تتبع دائرة الأوقاف الإسلاميّة
حتّى ضمّت القدس وغيرها –ممّا تبقّى من
مدن وقرى فلسطين في أيدي العرب- إلى
المملكة الأردنيّة الهاشميّة تحت اسم
"الضفّة الغربيّة".
وقد تلقّى الشيخ فائق في تلك المدرسة
مختلف العلوم الدينيّة واللغويّة بالإضافة
إلى اللغة التركيّة التي كان يفرضها
العثمانيّون على طلاب المدارس الإسلاميّة
في مختلف البقاع الشاميّة.
وكان –رحمه الله- يتردّد بين الحين والحين
على مجالس الوعظ وحلقات الفقه ودروس
الحديث في كلٍّ من الصخرة المشرّفة
والمسجد الأقصى المبارك، وبعد أنْ نال
إجازة المدرسة المذكورة التحق بإحدى
الوظائف الإداريّة في محكمة الاستئناف
الشرعيّة بالقدس، ثمّ نُقِل إلى إدارة
الأوقاف، حيث أُسنِد إليه الإشراف على
أوقاف التكارنة وتكيّة الأتراك.. وقد ظلّ
يباشر مهام منصبه هذا حتّى اصدر المجلس
الإسلاميّ الأعلى قراراً بترقيته شيخ سدنة
المسجد الأقصى حتّى سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة وألف ميلاديّة.
وقد أتاحت له هذه الوظيفة الجديدة فرص
المشاركة السريّة والعلنيّة في الأعمال
الوطنيّة بعيداً عن أعين الإنجليز، إذْ
كان له من وظيفته ما يبعد عنه الشكوك
والشبهات، إذْ لم يكنْ يخطر للإنجليز على
بال أنّ شيخ سدنة المسجد الأقصى يجيد حمل
البندقيّة ويحسن استعمال الأسلحة
الأوتوماتيكيّة بل وإلقاء القنابل
اليدويّة وتفجير أصابع الديناميت.
الشيخ فائق شحادة حسن الأنصاريّ شيخ الحرم
القدسيّ، لم يغادر الحرم طوال فترة القتال
1948
ولا غرو، فقد كان –رحمه الله- قد ضرب
بسهمٍ وافر وقام بجهدٍ كبير في محاربة
الصهاينة ومقاومة البريطانيّين إبّان ثورة
سنة 1936م.
وقد استهلّ جهاده في سبيل تحرير بلاده من
حكم البريطانيّين وتطهيرها من دنس
الصهاينة الغاصبين بالانتماء إلى جمعيّة
"اليد السوداء" التي كان يرأسها "شكيب
قطب" والتي كانت تقوم بمختلف الأعمال
الفدائيّة ضدّ الصهاينة وعساكر الإنجليز.
وكان أوّل عمليّة فدائيّة أُجرِيَت تحت
إشراف الشيخ فائق هي تدمير سيّارة عسكريّة
إنجليزيّة كانت تقف خارج باب الأسباط
لاعتراض جماهير المسلمين الذين كانوا في
طريقهم من المسجد الأقصى إلى محلّة رأس
العمود ليستقلّوا السيّارات لزيارة النبي
موسى جرياً على العادة المتّبعة كلّ عام،
إذْ ظلّ المسلمون منذ أيّام صلاح الدّين
الأيّوبيّ يخرجون في شهر نيسان (أبريل) من
كلّ عام إلى زيارة النبيّ موسى احتفالاً
بمولده –عليه الصلاة والسلام-.
تمّ أكثر –رحمه الله- من العمليّات
الفدائيّة داخل القدس وخارجها، فقد حدث
أنْ ألقى بنفسه قنبلة يدويّة من خلف سور
المسجد الأقصى على جمهرةٍ من الصهاينة
أمام حائط البراق.
وفي الفاتح من شهر أيّار (مايو) سنة ستّ
وثلاثين (1936م)، خرج الشيخ فائق ومعه
أربعة من الفدائيّين الذين كانوا يسيرون
خلفه دون أنْ يشعر أحدٌ بأنّهم في صحبته
إلى جهة محطّة القدس العموميّة للسكك
الحديديّة لتنفيذ عمليّة نسف القطار الذي
كان قد تقرّر قيامه من المحطّة المذكورة
في تمام الساعة الحاديّة عشرة بعد ظهر ذلك
اليوم، لينقل مئات الجنود من الإنجليز
والصهاينة إلى تل أبيب، للمحافظة عليها من
هجمات المجاهدين الذين كانوا يحدقون بها
وقتذاك تحت قيادة الشيخ حسن سلامة.
وقد استطاع الشيخ فائق ورفقاؤه من أعضاء
جمعيّة "اليد السوداء" أنْ ينسفوا ذلك
القطار بعد خروجه من المحطّة بدقيقتيْن
فقط، إذْ انفجرت أصابع الديناميت التي
وضعوها تحت عجلاته عند مروره فوقها عند
أوّل طريق بيت صفافة-القدس. وقد دُمّرت
القاطرة وتحطّمت ثلاث عربات، وقُتِل
وجُرِح عددٌ كبيرٌ من الإنجليز، أمّا
الصهاينة فلم يُصَبْ منهم في تلك الحادثة
سوى خمسين فرداً.
وفي شهر آب (أغسطس) من هذا العام نفسه
أوكلت قيادة اليد السوداء إلى الشيخ فائق
أمر تفجير قنبلةٍ يدويّة في دبابة
إنجليزيّة كانت تقف أمام باب الخليل قرب
القشلاق، وكانت الحيلة تقضي أنْ يكون
الفدائيّ معمّماً كيْ يتسنّى له الاقتراب
من تلك لديار دون أنْ يعترضه أحد
الجنود.ومّما يثير الدهشة أنّ الشيخ فائق
قد ألقى القنبلة بيده في جوف الدبّابة
وعيون الإنجليز ترنو إليه. ويقول شهود
العيان إنّهم لم يرتابوا فيه، ولا ظنّوا
أنّه هو الذي ألقاها. وقد تظاهر بالخوف
والفزع وألقى بنفسه على الأرض متظاهراً
بالإغماء.
وفي سنة ثمانٍ وأربعين كان الشيخ فائق
يقضي الليالي وحده في غرفته بالمسجد
الأقصى والأبواب مغلقةٌ عليه، وقنابل
اليهود تتساقط من حوله، وقد ذكر لي بنفسه
أنّه أحصى ما ألقاه اليهود على الصخرة
المشرّفة في ليلةٍ واحدةٍ بألفٍ ومائتيْ
قنبلة.
وقال إنّه ذهب في صبيحة ذلك اليوم على رأس
وفدٍ من أهالي القدس إلى لكتيبة الأردنيّة
التي كانت تعسكر في جبل المكبّر ليطالبهم
بالجدّ في المحافظة على المسجد الأقصى
والصخرة المشرّفة، وقال لذلك القائد الذي
كان يتلقّى أوامره من جلوب باشا
الإنجليزيّ: "إذا كنتم لا تريدون المحافظة
على المسجد الأقصى فإنّ الجماهير من أهالي
القدس مستعدّون للدفاع عنه والمحافظة عليه
بأرواحهم، ولا نريد منكم سوى أنْ تعطونا
هذه البنادق التي في أيديكم".
وفي أُخريات شهر نيسان (أبريل) سنة ثمانٍ
وأربعين (1948م)، قام اليهود بهجومٍ على
باب العمود فتصدّى لهم الشيخ فائق على رأس
فريقٍ من الحرس الوطنيّ. وقد دامت المعركة
نحو ساعتيْن، انجلَتْ بهزيمة الصهاينة
وانتصار المسلمين.. غير أنّ الشيخ فائق قد
أصيب في صدره بإحدى شظايا قنابل اليهود،
ثمّ حُمِل إلى مستشفى المطلع بالطور حيث
أُجرِيَت له عمليّة جراحيّة لاستخراج تلك
الشظيّة، ولكنّه ظلّ متأثّراً بهذه الجراح
حتّى صعدت روحه إلى الملأ الأعلى سنة تسعٍ
وأربعين (1949م)، بعد حياةٍ حافلةٍ بأعمال
البطولة والفداء.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ مهدي شيخ أوقاف حارة المغاربة
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين
نشأ هذا الشيخ المجاهد في بلدة من أعمال
فاس بالمملكة المغربيّة، وقد استهلّ حياته
العلميّة بحفظ القرآن وتجويده على رواية
ورش، ثمّ التحق بجامعة القرويّين حيث درس
العلوم الدينيّة واللغويّة، وكُلّف أثناء
ذلك بحفظ أشعار المشارقة كالمتنبّي وأبي
تمّام والبحتريّ وأبي علاء المعريّ. وقد
استظهر كتب ابن مالك –كالألفيّة في النحو-
ومؤلّفات ابن هشام –كمغني اللبيب في قواعد
العربيّة، وشرح حروف المعاني-. كما درس
بطريقة التلقّي والرواية كتاب الخليل
الكبير في فقه مالك، وصحيح مسلم في
الحديث، وكتاب الموطّأ الذي هو من تأليف
الإمام مالك صاحب المذهب الفقهيّ الذي
يعتنقه جميع عرب المغرب بلا استثناء.
فلمّا ثار الأمير عبد الكريم الخطّابي على
الاستعمار الفرنسيّ والأسبانيّ، انضمّ
الشيخ مهدي إلى تلك الحركة التحرريّة
وانضوى تحت لوائه.
وقد كان ذا حظوةٍ لديه طيلة السنوات
الأربع التي حرّر فيها الأمير عبد الكريم
جميع البلاد المراكشيّة من جنود الاحتلال،
فلمّا عاد الاستعمار الفرنسيّ والأسبانيّ
إلى مراكش سنة 1926م وأُسِر الأمير عبد
الكريم، خرج الشيخ مهدي مهاجراً إلى بلاد
المشرق واستقرّ به المطاف في بيت المقدس،
حيث ولاه المجلس الإسلاميّ الأعلى إدارة
شؤون أوقاف حارة المغاربة، وسكن الحارة
المذكورة في منزلٍ بإزاء سور المسجد
الأقصى، على مقربةٍ من حائط البراق الذي
كان وما زال يؤمّه اليهود على اختلاف
مذاهبهم المليّة ونزعاتهم الدينيّة يبكون
وينتحبون على قتل نبيّ الله يحيى –عليه
السلام- لاعتقادهم أنّه بقيّة من جدار
هيكل سليمان وهو زعْمٌ لم تثبت صحّته حتّى
الآن بل إنّ بطلانه في تقدير علماء
التاريخ والآثار كان وما زال هو الصحيح.
وقد اشترك الشيخ مهدي في التحريض على
الثورة التي اندلعت شرارتها من المسجد
الأقصى سنة 1929م، إذْ كان الشيخ مهدي
وغيره من علماء الإسلام قد وقفوا يخطبون
الناس في يوم الجمعة إثر أداء الصلاة
ويحضّونهم على الثورة ضدّ الصهاينة
والإنجليز. وقد اندفع في ذلك اليوم الشيخ
مهدي من رحاي المسجد الأقصى على رأس
جماعةٍ من سكّان باب السلسلة وحارة
المغاربة إلى حيّ اليهود بالقدس القديمة
فقتلوا عدداً غير قليلٍ ممّن وقع في
أيديهم من الصهاينة الدخلاء، وفي اليوم
التالي اعتُقِل الشيخ مهدي ووُضِع في سجن
المثقوبيّة بظاهر سور القدس جنوب غرب
الهوارة. وقد لبث في السجن بضعة أشهر ثمّ
أُطلِق سراحه بعد أنْ أكثر السيّد موسى
كاظم من بذل المساعي والاتصالات لدى
المندوب السامي، وعند الإفراج عنه طالبه
الإنجليز بانْ يقسم على المصحف أنّه لن
يعود إلى تحريض الناس ضد اليهود ولكنّه
امتنع وقال لهم في صراحة وشجاعة ورباطة
جأشٍ منقطعة النظير إنّ الجهاد فرض عينٍ
على المسلمين إذا ما حلّ بدار الإسلام
احتلالٌ أو استعمارٌ أو وقع عليها أيّ
لونٍ من ألوان العدوان.
وفي ثورة 1936م اشترك في المعارك التي كان
يخوضها المجاهدون بقيادة الشيخ سعيد العاص
في جبال القدس والخليل. ويُقال إنّه كان
على مقربةٍ منه حينما وقع شهيداً بفعل
رصاص الأعداء في قرية حوسان.
ومّا ألّف السيّد شكيب قطب جماعة
الفدائيّين الذين قاموا بإغلاق مدينة
القدس سنة 1937م كان الشيخ مهدي يقود إحدى
مجموعاتهم التي كانت تعسكر عند باب
الشهباء المؤدّي إلى جبل صهيون، وقد ظلّ
على ذلك الحال 40 يوماً ثمّ قرّرت حكومة
الانتداب أنْ تستولي على القدس القديمة
بالقوّة والعنف، فأرسلت نحو ستّة آلاف
جنديّ مسلّحين بالمدافع الرشاشة والبنادق
سريعة الطلقات وبالقنابل والمتفجّرات.
ولمّا لم يكنْ الفدائيّون يملكون غير
المسدّسات وبعض البنادق العتيقة وقد نفد
ما لديهم من ذخيرة، فقد انسحبوا أمام
الإنجليز وكان في مقدّمة المنسحبين شكيب
قطب نفسه، أمّا الشيخ مهدي فإنّه قد ظلّ
حيث هو يُطلِق النار تجاه جموع عساكر
الإنجليز من خلف احد الجدران حتّى نفدت
ذخيرته، ولولا أنْ أخذه الشيخ عارف الشريف
إلى منزله حيث أخفاه هناك عن أعين
الإنجليز لأسروه وقتلوه ولكنّ الله سلّم،
إذْ قُدِّر له أنْ يعيش حتّى عام 1045م،
ثمّ فاضت روحه إلى بارئها وهو يتلو
القرآن، تحت قبّة الصخرة المشرّفة.
وقد قال الذين اجتمعوا به في أخريات حياته
إنّه كان يأسف على نجاته من رصاص
الإنجليز، إذْ كان يودّ أنْ يظفر بالشهادة
أُسوةً بسلفه المجاهدين من أمثال الشيخ
سعيد العاص، وعبد الرحيم الحاج محمد وعزّ
الدين القسّام.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ عبد القادر المظفّر
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين
اشتهر الشيخ عبد القادر المظفّر –في
حياته- بالصدق في القول والإخلاص في
العمل، والتفاني في سبيل الله والوطن،
وكان محبّباً لدى أصدقائه ومخالطيه
موقّراً عند خصومه ومخالفيه، فلم يُسمَع
ذمّه من أحد، ولا طعن في عرضه إنسان، يل
كان يذكره الجميع برباطة الجأش وقوّة
الشكيمة ومضاء العزيمة وحسن التديّن وعمق
الإيمان.
وُلِد الشيخ عبد القادر المظفّر بالقدس
القديمة، سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة
وألف ميلاديّة (1892م) في بيت علمٍ وأدب،
إذ كان والده يشغل منصب مفتي الحنفيّة
بمدينة القدس، ويشرف على إدارة الوعظ
والإرشاد في مختلف أنحاء البلاد، وكان
معروفاً بالتقى والورع، مشهودٌ له
بالتفوّق على أقرانه في الفقه ورواية
الحديث.
وقد عُنِيّ الشيخ المظفّر بتربية ابنه
تربيةً دينيّة ونشئه تنشئةً وطنيّة– إذ
كان يحفّظه بنفسه القرآن ويعلّمه تجويده،
ويدرّسه كتب الفقه، ويروي له أشعار
لحماسة، وأخبار الأبطال المكافحين.
وقد ظلّ يأخذ العلوم الدينيّة واللغويّة
عن أبيه حتّى توفّاه الله وكانت سنّه وقت
أنْ قُبِض والده نحو الخامسة عشرة فكفله
عمّه الذي كان آنذاك ضابطاً في الجيش
التركيّ وكان أحد جماعة الضبّاط العرب
الذين كانوا يعملون على تخليص الشعوب
العربيّة من نير الدولة العثمانيّة.
وبعد وفاة الشيخ المظفّر بنحو سنتين ارتحل
الشيخ عبد القادر إلى القاهرة حيث انتسب
إلى رواق الشوام بالأزهر، وقد ظلّ في
جواره يستظهر العلوم الدينيّة واللغويّة
حتّى نال الشهادة الأهليّة المؤقّتة سنة
1918م.
ثمّ عاد إثر انتهاء الحرب العظمى إلى
فلسطين ليجد الحال فيها قد تبدّل من شيّء
إلى أسوأ إذ كان الإنجليز قد خلفوا
الأتراك في احتلال البلاد وأخذوا يعيثون
فيها فساداً.
ولا غرو فقد استهلّ الإنجليز حكمهم فلسطين
بفتح أبواب الهجرة اليهوديّة على مصراعيها
من جهة، ونقل ملكيّة الأراضي الأميريّة
إلى الأيدي الصهيونيّة من جهةٍ أخرى؛
الأمر الذي أثار حفيظة الشيخ عبد القادر
ضدّ الصهاينة وأحنقه على الإنجليز، فراح
يخطب الناس إثر صلاة الجمعة في المسجد
الأقصى تارةً، وفي مسجد عمر بن الخطّاب
تارةً أخرى، يحثّهم على الثورة والجهاد
للمحافظة على الأرض من اغتصاب الصهيونيّين
وتحرير البلاد من حكم الانتداب، فأغضب
بذلك البريطانيّين وأقضّ مضاجع
الصهيونيين، فأوعزت الوكالة اليهوديّة إلى
المندوب السامي الإنجليزي أنْ يأمر
باعتقاله فتردّد بادئ الأمر، ولكنّه عاد
فاستجاب لزعماء الصهاينة ونفّذ لهم ما
طلبوه، إذْ انتهز فرصة الثورة التي اشتعلت
سنة 1920م للمطالبة بوقف الهجرة اليهوديّة
وإلغاء وعد بلفور وإقامة حكومة عربيّة
مستقلّة في البلاد، فأمر باعتقال الشيخ
عبد القادر المظفّر ووضعه في سجن
المسكوبيّة بتهمة تحريض الجماهير على
الثورة ضدّ الصهاينة والبريطانيّين؛ ثمّ
رأى المندوب السامي أنْ يكسب ودّ هذا
الخطيب المفوّه عسى أنْ يتحوّل عن مبدئه،
ويصبح أحد صنّاع الإنجليز، فأخرجه من
السجن، وأسند إليه منصب الإفتاء.. غير أنّ
ذلك لم يكنْ بالطعم الذي يوقِع الشيخ عبد
القادر في الشَرك الأثيم، أو يخرجه من
حلبة المكافحين وزمرة المجاهدين بل ظلّ
–رحمه الله- ينافح عن الأماكن المقدّسة،
ويكافح في سبيل تحرير فلسطين..
ففي شهر آب (أغسطس) سنة 1922م كان الشيخ
عبد القادر في مقدّمة الداعين إلى المؤتمر
العربيّ الفلسطينيّ الخامس الذي انعقد في
نابلس والذي أقرّ فيه المؤتمرون بالإجماع
الميثاق الوطنيّ التالي:
"نحن ممثّلي فلسطين، أعضاء المؤتمر
العربيّ الفلسطينيّ الخامس، نقسم أمام
الله والأمّة والتاريخ بانْ نواصل المساعي
المشروعة لتحقيق الاستقلال والاتّحاد
العربيّ، ورفض الوطن القوميّ اليهوديّ،
والهجرة الصهيونيّة..".
وفي اليوم الثالث عشر من شهر تشرين الأول
(أكتوبر) سنة ثلاثٍ وثلاثين وتسعمائة وألف
(1933م) خرج الشيخ عبد القادر المظفّر من
المسجد الأقصى يقود جماهير المصلّين في
مظاهرةٍ عارمة، تندّد بالانتداب
البريطانيّ، وتستنكر في شدّة وعنف فكرة
إنشاء وطنٍ قوميّ يهوديّ في فلسطين،
وتطالب في إلحاحٍ وتصميم بوقف الهجرة
اليهوديّة إلى فلسطين، وقد أمطر عساكر
الإنجليز جموع المتظاهرين بوابلٍ من رصاص
بنادقهم، فاستشهد عددٌ غير قليل وأصيب
خلْقٌ كثير بجراحات مختلفة، ثمّ قبضوا على
الشيخ عبد القادر المظفّر وعلى اثنيْن
آخرين من رجال الوطن المخلصين، وبعد أنْ
قضوا في قشلاق البوليس بقلعة القدس زهاء
عشرين يوماً حوكموا محاكمةً صوريّة، ثمّ
صدرت الأحكام عليهم بالإعدام، وبذلك نال
الشيخ عبد القادر شرف الاستشهاد.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
محمد إسعاف النشاشيبي
المصدر: مواقع إنترنت
هو محمد إسعاف بن عثمان بن سليمان
النشاشيبي، وُلِد في عام 1885م بالقدس
لأبٍ من كبار أثرياء الشام.. فعاش ربيبَ
نعمة، في سعة من العيش وبَسطة في الرزق.
وُلِد وعاش في القدس، وتعلّم في المدرسة
البطريركيّة ببيروت، ثم كَتب كثيراً في
الصحف والمجلات، ونَظَمَ الشعرَ ثم تركه،
وقد وَرِثَ عن أبيه ثروةً عظيمة.
والعلامة إسعاف النشاشيبي أحدُ علماء
القدس الشريف، نذَر حياته للذَّوْدِ عن
اللغة العربية التي تمثّل جزءًا أساسياً
من الشخصية الإسلامية. وعاش مجاهدًا
بلسانه وقلمه، عَلَمًا للأدب وواحدًا من
رجالات عصره الذين أمدهم الله بموهبة
فَذَّةٍ بلَّغتْهم كمالَ القول وجمالَ
التعبير، وبقدر ما كان ذلك العَلَمُ ضئيلَ
الجسم نحيلَه كان يأخذ بزمام الأمور في
المجالس إذا تحدّث، ويوجّه دفة الحديث إذا
أَطلق لسانَه مُتناوِلاً قضيةً من
القضايا، في حضور كرام العلماء والأدباء
والشعراء، ورجال السياسة والسفراء.
أحوال عصره:
عاصر أديبنا النشاشيبي حِقْبَة التراجع
العربي والإسلامي، وانْقِضَاض الاستعمار
الأوروبي على المشرقِ الإسلاميِّ أواخرَ
القرنِ التاسعِ عَشَرَ وأوائل القرن
العشرين، ورأى من قومه أقلاماً وألسنة
مفتونةً تنادي بأخذ حضارة الغرب بحَسَنِها
وخبيثِها، ومَنْ ينادي باستعمال الحروف
اللاتينية في الكتابة إمعانًا في
الانْسلاخِ من كلّ ما يمتُّ للهوية بصلة.
وقد صبَّ النشاشيبي نيرانَ غضبِه على
المتغرِّبين المنسلِخين من إسلامهم،
الداعِينَ إلى إهْدَارِ العربية ونبذها.
مواقفه:
حينما قلَّدَهُ رئيسُ جمهورية لبنان وسامَ
الاستحقاق المذهّب، قام النشاشيبي فألقى
خطبة بليغة، جاء فيها: ".. وإنَّا ـأممَ
اللسانِ الضادِيِّـ لَعُرْبٌ، وإن لغتَنا
هي العربيةُ، وهي الإرْثُ الذي
ورِثْنَاهُ. وإنَّا لَحَقِيقُونَ
-والآباءُ هُمُ الآباءُ واللغةُ هي تلك
اللغةُ- بِأَنْ نَقِيَ عربيةَ الجنسِ
وعربيةَ اللغةِ، نَقِيَ العَرَبِيَّتَيْنِ
مما يَضيرُهُمَا أو يُوهِنُهُمَا..".
أعماله:
راح العلامة النشاشيبي يُصدِر مؤلَّفاته
التي ظهر فيها نُضجٌ كبير وعمقٌ في الرؤية
والفهم، داعيًا أمته إلى المجاهدة التي لن
تنجح بالإيمان والشجاعة وحدهما، بل لا بدّ
معهما من الإحاطة بالعلوم الحديثة، وقد
أشار إلى أنَّ انتماءَه للعربية لا يَعني
إغفالَه لما تَحْوِيهِ الحضارةُ
الأوروبيةُ من جوانبَ مهمةٍ يَنْبَغِي
استيعابُها.. ولم يدْعُه إيمانُه العظيمُ
بحضارة المسلمين إلى نَبْذِ الحضاراتِ
الأخرى والنَّأْيِ عن التزوُّدِ منها بما
يتفق وروحَ الإسلام، ويُعيّن على الجهاد.
فمن أقوالِه في كتاب "قلب عربي وعقل
أوروبي": "تِلْكُمْ مَدَنِيَّةُ الغرب،
فالخيرُ كلُّ الخيرِ في أنْ نَعرفَها،
والشرُّ كلُّ الشرِّ في أنْ نَجهلَها،
وإنّا إذا عَادَيْنَاهَا -وهي السائدةُ
السَّاطِيَةُ- اسْتَعْلَتْنَا، وإنَّا إذا
نابذْناها ونَبَذْنا عليها حَقرتْنا، وهي
مدنِيّةٌ قد غَمَرَت الكرةَ الأرضيةَ،
فليس ثَمَّةَ عاصمٌ وإنْ أَوَيْتَ إلى
المِرِّيخِ".
وكان النشاشيبي أحد أعضاء المَجْمَعِ
العلمي العربي بدمشق، ونُعِتَ بأديب
العربية، وقد أثْرى المكتبةَ العربيةَ
بعدة مؤلفات كرَّسَهَا لتخدم العربية
ولتتناول عظماء العرب بما هم أهلُه من
إبراز المحاسن والمنجزات، ومن تلك
المؤلفات: "كلمة في اللغة العربية"، "قلب
عربي وعقل أوروبي"، "العربية في المدرسة"،
"البطل الخالد صلاح الدين"، "الشاعر
الخالد أحمد شوقي"، "العربية وشاعرها
الأكبر أحمد شوقي". وكانت مجلة الرسالة
تَعقد ندواتٍ أدبيةً ثريةً تدعو إليها
خيرةَ رجال الأدب والعلم، ومن هنا توطّدت
العلاقةُ بين الأستاذ النشاشيبي وبين
الأديب الكبير أحمد حسن الزيّات، صاحب
مجلة الرسالة، الذي أثنى على النشاشيبي
بقوله: "لقد وَقَفَ نفسَه وجهدَه على
دراسةِ الإسلام الصحيح في مصادره الأولى،
وتحصيلِ اللغة العربية وعلومِها وآدابِها
من منابعِها الصافية، فكان آيةً من آيات
الله في سعة الاطّلاع وتَقَصِّي الأطراف،
وتمحيص الحقائق.. لا تُذكَر مسألة إلا كان
له عنها جواب، ولا تُثار مشكلة إلا
أشْرَقَ له فيها رأيٌ، ولا تُروَى حادثةٌ
إلا أورد عليها المَثل، ولا يَحضر ندوتَه
أديبٌ مطَّلِعٌ إلا جلس فيها جلسة
المستفيد، فهو من طراز أبي عبيدةَ (معمر
بن المثنى) والمُبَرِّدِ، لذلك كان أكثرُ
ما يكتبه تحقيقًا واختيارًا وأماليَّ،
وكان خاتمةَ طبقة من الأدباء اللُّغويين
المحقِّقين".
لقد نَفَذَ النشاشيبي إلى أعماق العربية،
وفي سبيلها تجرع كئوس التعب، حتى نَبَشَ
جُلَّ كتبِها تحصيلاً وفهمًا واستظهاراً،
يتجلى ذلك بأقلِّ متابعةٍ لكتاباته التي
حَوَتْ بين جنباتها عِلمًا ونوادرَ
وطُرَفًا منتقاةً من مئات الكتب لأرباب
البلاغة والبيان من أمثال: "عيون الأخبار"
لابن قتيبة، و"شرح نهج البلاغة" لابن أبي
الحديد، و"معجم البلدان" و"معجم الأدباء"
لياقوت الحموي، و"خاص الخاص"، و"يتيمة
الدهر" للثعالبي..
وفاته:
كان الرجلُ شغوفًا بالقاهرة، متطلّعًا
لشاعرِها الأكبرِ صديقِه الحميمِ؛ أحمد
شوقي، يَفِدُ إليها كلَّ عامٍ
مُتَطَبِّبًا، وربما طَبَعَ بعضًا من
كُتُبِهِ. وفي شتاء عام 1948م كان على
موعدٍ مع القدر، حيث قَضَى نحبَه بأحد
مستشفيات القاهرةِ بعد حياةٍ حافلةٍ
بالعطاء زاخرةٍ بالجهاد والكدّ والمصابرة.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>..
موسى فيضي العلميّ
المصدر: مجلة عين على القدس- مؤسسة القدس
الدولية- السنة الخامسة- العدد 50
يونيو-يوليو 2007م
(1897-1984)
موسى فيضي العلميّ هو سليل آل العلميّ
الذين يعود بهم النسب إلى الحسن بن فاطمة
الزهراء –رضوان الله عليهما-، وموسى فيضي
هو ابن فيضي العلميّ أفندي، رئيس بلديّة
القدس المتوفّى سنة 1924م، وجدّه هو أحد
أعيان القدس البارزين في النصف الثاني من
القرن الثامن عشر، ومن آثاره المصنّفة
كتاب: "فتح الرحمن لطالب آيات القرآن"
المطبوع في بيروت[1].
وُلد موسى قيضي العلميّ عام 1897م على
الأرجح[2]، في بيت المقدس ودرس فيها علومه
الأولى، وقد تلقّى دروساً في "المدرسة
الدستوريّة" بالقدس لمؤسّسها خليل
السكاكينيّ وأمضى فيها سنتين، ومنها انتقل
إلى كليّة "الفرير" بالقدس وقضى على مقاعد
الدراسة ثلاث سنوات، وبعد نشوب الحرب
العالميّة الأولى دخل الجنديّة، وتنقّل
بين دمشق وإسطنبول، وبعد أن وضعت الحرب
أوزارها قصد جامعة "كامبردج" في بريطانيأ
حيث درس الحقوق (1919-1922)، وكان اول
شابٍ فلسطينيّ يدخل تلك الجامعة ويتخرّج
فيها، ثمّ التحق بمعهدٍ مختصّ للحقوق
وتخرّج فيه عام 1923م وعاد إلى فلسطين[3].
في العام 1925م عُيّن العلميّ في وظيفة
كبرى بدائرة النيابات العامّة بالقدس
وأصبح سكرتيراً "للمندوب السامي
البريطانيّ"، ويُقال غنّها أعلى وظيفة
أُسندت لعربيّ في فلسطين، لكنّه استقال من
منصبه سنة 1937م مع اشتداد النقمة على
البريطانيّين، ولجأ إلى سوريّة ثمّ عاد
إلى فلسطين عام 1940م[4].
عندما دعت بريطانيا إلى "مؤتمر فلسطين" في
لندن عام 1939م كان العلميّ أحد أعضاء
الوفد الفلسطينيّ المفاوض، ومع بداية
الحرب العالميّة الثانيّة أُبعد موسى إلى
العراق، وظلّ فيه إلى أن دخله الإنكليز
عام 1940م، فسمحوا له بالعودة على فلسطين
والإقامة في قرية "شرفات" التي يملكها آل
العلميّ بالقرب من مدينة بيت لحم، إقامة
جبريّة لمدة سنة، ثمّ عاد إلى القدس وزاول
المحاماة[5].
مثّل موسى فيضي العلميّ عرب فلسطين في
اجتماعات جامعة الدول العربيّة التأسيسيّة
عام 1940-1945م، وأصبح عضواً في للجنة
العربيّة العليا عام 1945م لمدّة قصيرة،
ثمّ عمل في السياسة بعد عام 1948م، ثمّ
اعتزل الحياة السياسيّة ولتزم مزرعته في
أريحا، إلى أن توفّيَ عام 1989م، تعرّض
خلالها لأكثر من عشر محاولاتٍ
لاغتياله[6].
ويُنسب للعلميّ أنّه اقترح في 1 تشرين أول
1944م تأسيس صندوق قوميّ عربيّ عام تشترك
فيه جميع الأقطار العربيّة وتشرف على
إدارته، فتوقف للعرب أراضي فلسطين الباقية
لتظلّ في أيديهم. من آثاره العلميّة:
كتابٌ قيّم أسماه "عبرة فلسطين". طُبِع
ثلاث طبعات في عام 1949م، وقد كتب عنه
الكثيرون[7].
ويؤخذ على العلميّ قبوله "الوظيفة" في
الإدارة البريطانيّة، وصداقته لـ"تيدي
كوليك" الذي أصبح رئيساً لبلديّة الاحتلال
في القدس لكنّ المدافعين عنه يذكرون أنّ
منصب "الإفتاء" نفسه كان يُعتبر ذلك
"وظيفة"، وكان المندوب السامي هو الذي
يختار من يريد لهذا المنصب من بين عددٍ من
المرشّحين، وانّه تعاون مع الحاج أمين
الحسينيّ أثناء ثورة 1936م، على الرغم من
موقعه الوظيفيّ، وأنّه استقال من منصبه
سنة 1937م ولجا إلى سوريّة، وأنّه كان
يُعتبر خصماً لدوداً لرئيس بلديّة
الاحتلال في القدس على الرغم من حرصه على
التواصل معه[8].
حياة موسى العلميّ أثارت جدلاً واسعاً،
ويظهر أنّ الرجل قد تُجُنّيَ عليه، وقد
بولغ في الأمور التي أُخذت عليه، وقد أثبت
له الخصوم والمؤيّدون شدّة دفاعه عن
فلسطين، ونزعة وحدويّة كبيرة، وقد ظلّ
موسى فيضي العلميّ يُردّد على ما قبل
وفاته مقالته الشهيرة: "إنّنا لن ننتصر
على إسرائيل النصر النهائيّ حتّى ننتصر
على أنفسنا"[9].
1] كما ورد في كتاب "أعلام فلسطين في
أواخر العهد العثمانيّ" للأستاذ عادل
منّاع، الواردة الإشارة إليه في موقع آل
العلميّ- باب فيضي العلميّ.
2] موقع آل العلميّ الإلكترونيّ، وصمّة
مصادر أخرى تقول إنّه وُلد عام 1895م.
3] شفيق الحوت، "ردّوا الاعتبار لهذا
الرجل!" ]موسى العلميّ[، مقال في جريدة
"الأنباء" (الكويت)، 15/7/1984م.
4] موقع موسوعة المقاتل.
- موقع آل العلميّ، مرجع سابق.
5]موقع آل العلميّ، مرجع سابق.
6] موقع آل العلميّ، مرجع سابق.
- شفيق الحوت، مقال سابق.
7] من أواخر الكتب التي كتبت عن موسى
العلميّ بعد وفاته، كتاب تحت عنوان "آخر
العمالقة في فلسطين: موسى العلميّ"، لناصر
الدين النشاشيبي.
8] موقع موسوعة المقاتل، مرجع سابق.
- ناصر الدين النشاشيبي، ثوب الاعتدال
"المزوّر" على أكتاف تيدي كوليك، مقال في
مجلّة "الفكر السياسيّ".
- شفيق الحوت، المقال السابق.
9] نقلاً عن كتاب "أعلام الفكر والأدب في
فلسطين" لمؤلّفه يعقوب العودات –رحمه
الله-، الواردة الإشارة إليه في موقع آل
العلميّ.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
إميل الغوري
المصدر: مجلة فلسطين المسلمة، العدد
التاسع- السنة الخامسة والعشرون- أيلول
(سبتمبر) 2007م.
وُلد إميل الغوري في القدس عام 1907م.
أتمّ دراسته الثانويّة في مدرسة المطران
بالقدس، وتخرّج منها سنة 1922م. ثمّ انطلق
إلى الحياة العمليّة، وساهم بالعمل
الوطنيّ، وانتُخِب لعدّة سنوات سكرتيراً
للنادي العربيّ الأرثوذكسيّ بالقدس.
وفي عام 1929م، قصد الولايات المتّحدة
الأمريكيّة ونال شهادات في تاريخ الشرق
الأوسط. وفي عام 1933م، عاد إلى فلسطين
فأصدر صحيفة أسبوعيّة باللغة الإنجليزيّة،
أغلقتها السلطات البريطانيّة بعد تسعة
أشهر من تاريخ صدورها. وفي العام نفسه،
انتُخِب عضواً في اللجنة التنفيذيّة
للمؤتمر الفلسطينيّ السابع، فأسهم في
الحركة الوطنيّة وفي أعمال الجهاد
الفلسطينيّ، فاعتقلته السلطات
البريطانيّة.
وفي عام 1934م، أصدر الغوري مجلة أسبوعيّة
باسم "الشباب" وجريدة يوميّة باسم "الوحدة
العربيّة"، لكنّ سلطات الاحتلال
البريطانيّ أعلقتها وصادرت المطبعة. وفي
هذه الفترة، نال شهادة دبلوم في الحقوق،
وأُجيز كمحامٍ، لكنّه انصرف إلى العمل
الوطنيّ فانتُخِب عام 1935م عضواً في
الوفد الفلسطينيّ الذي اتّجه إلى لندن
لشرح القضيّة الفلسطينيّة. وفي عام 1937م
انتدبته اللجنة العربيّة العليا في فلسطين
عضواً في وفدها إلى جنيف للدفاع عن
القضيّة الفلسطينيّة أمام عصبة الأمم، ثمّ
في لندن.
وفي العام نفسه انتدبته اللجنة العربيّة
في فلسطين لتأسيس المكتب العربيّ
الفلسطينيّ للدعاية والإعلام في لندن. ثمّ
عاد إلى بيت المقدس، حيث تولّى رئاسة
تحرير جريدة "اللواء" اليوميّة الناطقة
باسم الحاج أمين الحسينيّ.
وفي عام 1938م مثّل الغوري اللجنة
العربيّة العليا في المؤتمر البرلمانيّ
المنعقد في القاهرة. وفي عام 1946م تولّى
تحرير جريدة "الوحدة" المقدسيّة، وبعد
تشكيل الهيئة العربيّة العليا لفلسطين
خلال الدورة الاستثنائيّة لمجلس جامعة
الدول العربيّة المنعقد في بلودان بسورية،
انتُخِب عضواً في هذه الهيئة.
وفي عام 1947م كان من ممثّلي الهيئة
العربيّة إلى مؤتمر المائدة المستديرة
المنعقِد في لندن، وانتدبته الهيئة
سكرتيراً لوفدها إلى الأمم المتّحدة لحضور
دورتها الاستثنائيّة في أيّار/مايو 1947م.
بعد النكبة عام 1948م انتُخِب الغوري
سكرتيراً عاماً للمجلس الوطنيّ الفلسطينيّ
المنعقد في مدينة غزّة، وهو المجلس الذي
أعلن قيام "حكومة عموم فلسطين". ثمّ أصبح
ممثّلاً للهيئة العربيّة في بيروت عام
1950م إلى 1952م، ثمّ انتقل إلى مصر
كرئيسٍ لدائرة الدعاية ورئيسٍ للدائرة
السياسيّة حتّى عام 1966م.
اشترك الغوري في الوفود الفلسطينيّة،
ومثّل فلسطين في عدّة مؤتمرات. وفي عام
1966م انتُخِب نائباً عن القدس ومنطقتها
في مجلس النوّاب الأردنيّ. وفي عام 1969م
عُيّن وزيراً للشؤون الاجتماعيّة والعمل
في الحكومة الأردنيّة. وفي عام 1971م
عُيّن وزير دولةٍ لشؤون رئاسة الوزراء.
ترك إميل الغوري تراثاً فكريّاً حافلاً،
فمن مؤلّفاته: "المؤامرات الكبرى واغتيال
فلسطين"، "المعذّبون في أرض العرب"،
"قضيّة فلسطين في الأمم المتّحدة"،
و"الشقيريّ في الميزان".
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ أمين العوري
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين
كان رحمه الله مجاهداً مستتراً، قد بالغ
في التقية، وأحاط أمره بسياجٍ سميك، من
الكتمان فلذلك جهله أكثر الناس، ولم يعلم
بأمره إلا القليل.
وُلِد الشيخ أمين ببلدةٍ في شرق شمال
فلسطين اسمها "بيت عور"، ثمّ اصطحبه أبوه
إلى القدس وهو في العاشرة من عمره حيث
ولِيَ منصباً رفيعاً في إدارة الإفتاء
بالمجلس الإسلاميّ الأعلى.
ولمّا أشرفت سنّ الشيخ أمين على العشرين؛
أرسله أبوه إلى مصر لأجل تلقّي العلم
بالأزهر، فجاور فيه نحو اثنتيْ عشرة سنة،
نال في نهايتها شهادة العالِميّة
المؤقّتة، ثمّ عاد إلى فلسطين حيث ولِيَ
منصب قيّم الصخرة المشرّفة ببيت المقدس،
ولم يلبثْ أنْ رقّاه المجلس الإسلاميّ
الأعلى إلى منصبٍ أجلّ وأخطر من
الناحيتيْن الدينيّة والإداريّة، إذْ
أُسند إليه منصب أمين عام سرّ الإفتاء،
ثمّ أضيفت إليه وظيفة مدرّس التفسير بمسجد
الصخرة شرّفها الله، وقد ظلّ يدرّس كتاب
جامع البيان في تفسير القرآن للعلامة
القرطبيّ، مع قيامه بمهام منصبه في إدارة
الفتوى بالمجلس الإسلاميّ الأعلى حتّى نال
الشهادة.
كان الشيخ أمين –رحمه الله- موضع ثقة
جماهير المجاهدين، ومستودع سرّ قادة
المناضلين في كلٍّ من القدس ونابلس
والخليل، طيلة أيّام ثورة 1936م، كما كان
يتمتّع بتقدير رئيس وأعضاء اللجنة
العربيّة التي كانت تتولّى وقتذاك أمْر
الإشراف على سيْر الثورة الفلسطينيّة
تنظيم شؤون المجاهدين، ومنْ ثمّ أصبح
الشيخ أمين يمثّل حلقة الاتصال بين اللجنة
العربيّة وقادة الثورة في جنوب فلسطين
وشمالها، إذ كان -رحمه الله- يتنقّل بين
الخليل والقدس وبين القدس ونابلس لمباشرة
عمليّة توزيع الأسلحة على جماعات الثوّار،
في تلك الجهات، وللوقوف على احتياجات
المجاهدين ليبلّغ بها المسؤولين في اللجة
العربيّة من جهة؛ ويتقل أوامر وتوجيهات
اللجنة المذكورة إلى قادة المقاتلين في
تلك الأنحاء من جهةٍ أخرى.
ولم يقتصرْ نشاط الشيخ أمين على حمل
الأسرار والتنقّل بالأخبار بين اللجنة
العربيّة وبين الثوّار، كما لم يقف كذلك
جهاده –رحمه الله- في سبيل تحرير فلسطين
من طغيان الصهاينة وعسف البريطانيّين
إبّان ذلك الحين، عند مهمة نقل الأوامر
والتوجيهات وإبلاغ الرغائب وسط الحاجات في
ترداده بين مختلف قيادات المجاهدين في
جبال السامرة والقدس والخليل –من ناحية-
وبينهم وبين أعضاء اللجنة العربيّة من
ناحيةٍ أخرى، بل شارك –طيّب الله ثراه
وأكرم مثواه- مشاركة فعليّة في العمليّات
العسكريّة ووضع الخطط التكتيكيّة لكيفيّة
الإغارات الليليّة على المستعمرات
الصهيونيّة والمعسكرات البريطانيّة..
وقد اخبرني شاهد عيانٍ، أنّ الشيخ أمين
العوري قاد بعض فصائل المقاتلين من
المجاهدين الفلسطينيّين، في المعارك التي
دارت رحاها بين "العيزريّة" و"أبو ديس"
على الطريق بين أريحة والقدس وفي جهة
الطور وسلوان وقريتيْ شعفاط وقلندية.
وفي اليوم الحادي والعشرين من شهر نوفمبر
(تشرين) سنة ستّ وثلاثين، خرج الشيخ أمين
من داره الكائنة في حارة السعديّة بالقدس
القديمة، ميمّماً شطر المسجد الأقصى لأداء
صلاة العصر، إذْ كان قد اتّفق من قبْلُ
على "مهمّة سريّة" مع أعضاء اللجنة
العربيّة تستهدف نسف قطار البضائع القادم
إلى القدس من تلقاء يافا، وكان من المقرّر
أن يتلقّى-رحمه الله- إشارة البدء في
تنفيذ تلك الخطّة إثر انقضاء صلاة العصر
ذلك اليوم، وقد شرع الشيخ أمين في تنفيذ
الخطّة المذكورة حيث أظهر أمام المصلّين
اعتزامه القيام بجولةٍ تفتيشيّة حول مساجد
قرى بني حسن الواقعة جنوب عرب بيت المقدس،
أذكر منها على سبيل المثال بلدة عين كارم
وقرية الروحة ومحلّة تتر، وذلك بناءً على
قرارٍ صادر من المجلس الإسلاميّ الأعلى
بندبه للقيام بتلك المهمّة الذي اتّخذ
فعلاً بقصد صرف أنظار الناس عن حقيقة
المهمّة الوطنيّة التي نيطت به –رحمه
الله- ليكون في أدائها بمأمنٍ من عيون
الإنجليز.
خرج الشيخ أمين من باب السلسلة متّجهاً
نحو باب الخليل وهو أحد أبواب القدس
الشهيرة، فلمّا جاوزه أخذ سمته تجاه حي
دار أبي ثور وظلّ سائراً على قدميْه حتّى
انتهى إلى بركة السلطان حيث كان ينتظره
أحد التكارنة وبين يديْه حقيبة لا يختلف
مظهرها في شيء عن حقائب رجال الوعظ
المتنقّلين بين مختلف القرى في فلسطين
أثناء ذلك الحين، فتابع معه السير حتّى
بلغا حيّ اليونان بالقدس الجديدة عند أول
طريق بيت صفافة، فقابلهما رجل يقود سيّارة
متوسّطة الحجم، فأومأ إلى الشيخ أمين
بإشارةٍ متّفقٍ عليها أنْ اركب معي، فأخذ
–رحمه الله- الحقيبة من ذلك التكريريّ
وأمره أنْ يعود من حيث أتى دون أنْ ينبس
ببنت شفة كي تظلّ المهمّة خفيّة حتّى
يقدّر لها النجاح، ثمّ اتّجه الشيخ أمين
بصحبة قائد السيّارة إلى بيت صفافة جنوب
القدس الجديدة فبلغها وقت أنْ تعسجد الشفق
واحتدمت زرقة السماء، وهناك أدّى الشيخ
أمين صلاة المغرب ثمّ تابع سيْره إلى بتير
فوصل إليها قبيل العشاء بقليل حيث التقى
هناك بعض المجاهدين المنوط بهم تنفيذ
عمليّة نسف القطار المذكور آنفاً، فأعطاهم
الشيخ أمين الحقيبة طبقاً للخطّة المرسومة
وكانت مليئة بالديناميت والمتفجّرات.
وفي تمام الساعة الحادية عشرة من مشاء ذلك
اليوم، تمّ نسف القطار تحت إشراف وملاحظة
الشيخ أمين الذي استشهد في تلك الحادثة
إذْ شَجّتْ رأسه إحدى الشظايا المتناثرة،
واستقرّت في مخّه رحمه الله.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
الشيخ أديب السرّاج
المصدر: "مجاهدون من فلسطين"، د. علي صافي
حسين
وُلِد الشيخ أديب السرّاج سنة إحدى وتسعين
وثمانمائة وألف ميلاديّة، في مدينة القدس
القديمة، بمنزلٍ في حيّ باب الواد شمال
غرب المسجد الأقصى المبارك، وكان أبوه
يشغل وظيفة إمام جامع عمر بن الخطّاب
الكائن بجوار حارة النصارى بمدينة القدس.
وكان الشيخ إبراهيم –رحمه الله- شديد
العناية بتربية ابنه أديب، كثير الحرص على
تنشئته تنشئة دينيّة، ومن ثمّ وجدناه
يلحقه وهو لا يزال في صباه بالمدرسة
الإسلاميّة بحيّ باب الساهرة الواقع في
شمال شرق الصخرة المشرّفة، وفيها درس
العلوم الدينيّة كالفقه والتفسير والحديث
وعلم الكلام والتوحيد والعلوم اللغويّة
كالنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع
بالإضافة إلى اللغة التركيّة؛ ولكنّه لم
يتمّ دراسته فيها إذ رأى والده أنْ يلحقه
بالمعهد الأحمديّ في عكّا، وهناك أتمّ حفظ
القرآن، وأتقن تجويده، واستظهر بعض كتب
الفقه على مذهب أبي حنيفة –رضي الله عنه-
وحفظ طائفةً من الأحاديث الصحيحة ويُقال
إنّه كان يحفظ ألفيّة ابن مالك في النحو،
ومتن السلم في المنطق، ومتن الهداية في
الفقه على المذهب المذكور.
وبعد أنْ قضى في المعهد الأحمدي بجامع
الجزّار في مدينة عكّا نحو ثمانية أعوام
عاد إلى القدس حيث ولّى منصب شيخ سدنة
الصخرة المشرّفة، وبقِيَ يباشر مهام هذه
الوظيفة حتّى سنة إحدى وعشرين وتسعمائة
وألف (1921م)، حيث أصدر المجلس الإسلاميّ
الأعلى قراراً بتعيينه رئيس هيئة الوعظ
بالمسجد الأقصى، وبقِيَ يباشر مهام منصبه
ذاك حتّى نُقِل إلى المحكمة الشرعيّة
بالقدس القديمة، ولكن عمله هذا الأخير لم
يمنعه من مواصلة دروس الوعظ والإرشاد في
المسجد الأقصى إذْ بقِيَ يجلس بعد صلاة
العصر من كلّ يومٍ قرب بئر الأرواح بداخل
المسجد الأقصى للوعظ والتدريس.
وقد حضرت عليه في صيف عام 1935م، وكنت لا
أزال في عهد الصبا فأفدت منه كثيراً في
الفقه والحديث، وكان الناس وقتذاك يصفونه
بالعمق في العلم والغزارة في الحفظ
والوضوح في الشرح وقّوة التأثير في الوعظ
والإرشاد.
وقد استهلّ –رحمه الله- جهاده في سبيل
تحرير بلاده من الانتداب البريطانيّ
والمحافظة عليها من العدوان الصهيونيّ،
بتلك الخطبة المثيرة التي ألقاها في جموع
المصلّين إثر صلاة الجمعة من شهر أيّار
(مايو) سنة إحدى وعشرين وتسعمائة وألف
(1921م) في مسجد الصخرة المشرّفة، وذلك
إثر قيام بعض الصهاينة بقيادة فلاديمير
جابوتنسكي بالهجوم على بعض حوانيت العرب
في حيّ الباشورة الواقع بجوار حارة
اليهود.
وقد أثار الشيخ أديب حماس المصلّين فخرجوا
من المسجد غاضبين ثائرين على أولئك
الصهاينة المعتدين، فاتّجهت جماعات منهم،
وكان في مقدّمتهم الشيخ أديب، نحو حيّ
الباشورة، لينطلقوا منه إلى حارة
الصهاينة، فاعترضهم الإنجليز الذين جاؤوا
للمحافظة على الصهاينة من غضبة جماهير
العرب الثائرين، ولم يكونوا وقتذاك يحملون
سوى العصيّ، ومع ذلك فإنّهم لم يرهبوا
رصاص الإنجليز ولا خافوا بنادقهم، بل
اندفعوا نحو حارة اليهود في غضبة عارمة
الأمر الذي جعل الإنجليز يمطرونهم بوابلٍ
من الرصاص فاستشهد بسبب رصاص الإنجليز
الآثمين نحو ثمانية أشخاص وجُرِح نحو خمسة
وعشرين بجراحات مختلفة.
ثمّ قُبِض على الشيخ أديب وبعض رفقائه
وأودِعوا في القشلاق بقلعة القدس. كما
اعتقل الإنجليز عدداً من الصهاينة وفي
مقدّمتهم جابوتنسكي. ثمّ أصدر المندوب
السامي أمره بالإفراج عن جابوتسكي وجميع
الذين اعتقلوا معه من الصهيونيّين من غير
محاكمة على الرغم من أنّهم كانوا هم
البادئين بالعدوان، فاتّخذ من ذلك موسى
كاظم حجّةً للمطالبة بالإفراج عن الشيخ
أديب وأصحابه.
وقد استجاب المندوب الساميّ لهذا الطلب
فأمر بالإفراج عنهم متظاهراً بالمساواة في
الإجراءات بين العرب واليهود.
وفي سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وألف
(1922م) عاد الشيخ أديب إلى إثارة
الجماهير ضدّ الصهاينة والبريطانيّين، حيث
خرج إثر صلاة الجمعة من أيّام شهر نيسان
(أبريل) على رأس جمهرة المصلّين واتّجه
بهم إلى سراي الحكومة للاحتجاج على جلب
الحكومة البريطانيّة بضعة آلاف من
الصهاينة المهاجرين من أوروبا إلى فلسطين
في ذلك الحين، وقدّم على المندوب السامي
مذكّرةً وقّعها معه وجهاء مدينة القدس
للمطالبة بوقف الهجرة الصهيونيّة والعمل
على استقلال البلاد.
وفي سنة 1929م كان الشيخ أديب أحد زعماء
الثورة التي اندلعت شرارتها من المسجد
الأقصى في تلك السنة، ضدّ الصهاينة
والبريطانيّين والتي عمّتْ جميع قرى ومدن
فلسطين.
ويُقال إنّه كان مع الشيخ مهدي حسين، خرج
هذا الأخير على رأس جمهرةٍ من المصلّين في
أثناء تلك الثورة لمهاجمة الصهاينة عن
طريق حارة المغاربة.
وقد ظلّ –رحمه الله- يشارك مشاركة فعليّة
في جميع الثورات والمظاهرات الوطنيّة حتّى
انضوى جنديّاً تحت لواء الشيخ سعيد العاص
في ثورة 1936م بصحبة السيّد عبد القادر
الحسينيّ.
وقد خاض –رحمه الله- مع الشيخ سعيد العاص
معارك كثيرة ضدّ المستعمرات الصهيونيّة
والمعسكرات البريطانيّة، أذكر منها على
سبيل المثال معركة وادي السرار ودير الشيخ
وشعفاط، ومعركة حسّان المشهورة التي وقعت
في أخريات شهر أيلول (سبتمبر) سنة 1936م،
وهي التي أصيب فيها الشيخ أديب السرّاج
بنحو خمس رصاصات رماه بها أحد الجنود
البريطانيّين فاستقرّ بعضها في جوفه
وبعضها الآخر في رأسه فوقع على ثرى الوطن
المقدّس مخضّباً بدمه الشذى ثمّ لحقت روحه
بأسلافه المجاهدين من رجال الدين المخلصين
في جنّات النعيم.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>