مساطب الحرم الشريف

 

 المسطبة في الحرم الشريف هي ذلك المكان المرتفع المربع أو المستطيل الشكل والمرتفع عن مستوى سطح الأرض (ساحة الحرم)، والتي بنيت من الحجارة وبلط سطحها بالبلاط الحجري، وعمل فيها أحياناً محراب أو حائط في اتجاه القبلة، هذا وقد أنشئت لغرضي الصلاة والتدريس معاً، خاصة في فصل الصيف .

هذا ويقوم اليوم في ساحة الحرم الشريف قرابة الثلاثين مسطبة، والتي انتشرت بصورة عشوائية في جهاته الأربعة .

وعلى ما يبدو أن فكرة إنشاء هذه المساطب، والتي تركزت في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف، قد شاعت في الفترة العثمانية، وذلك لاستخدامها للصلاة وإقامة حلقات التدريس عليها في ايام الصيف .

ذلك أننا لا نكاد نجد سوى خمس منها كانت قد أنشئت في الفترة المملوكية أما بقيتها فقد تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .

ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، قامت بترميم عدة مساطب في الجهة الشرقية للحرم الشريف وبخاصة في منطقة باب الرحمة، وذلك في الفترة الواقعة ما بين (1969-1979م) .

وقد ارتأينا أن نورد قائمة بمساطب الحرم الشريف وفق المسح الأثري الذي قام به قسم الآثار الإسلامية التابع لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، والمثبتة في خريطة الحرم الشريف الصادرة عن مجلة هدى الإسلام التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس الشريف .

الفترة المملوكية : (دليل الموقع / 60-62)

1. مسطبة الظاهر: والتي أنشئت في سنة 795 هجرية/ 1392 ميلادية.

2. مسطبة البصيري: والتي أنشئت في سنة 800 هجرية/ 1397 ميلادية.

3. مسطبة سبيل قايتباي: والتي أنشئت في سنة 860 هجرية/ 1455 ميلادية .

الفترة العثمانية : (دليل الموقع 63-65)

(المساطب المؤرخة)

1. مسطبة سبيل سليمان: والتي أنشئت في سنة 943 هجرية/ 1536 ميلادية.

2. مسطبة علي باشا: والتي أنشئت في سنة 1047 هجرية/ 1637 ميلادية .

3. مسطبة الطين: والتي أنشئت في سنة 1174 هجرية/ 1760 ميلادية .

الفترة العثمانية : (دليل الموقع/ 66-83)

(المساطب غير المؤرخة)

1.  مسطبة باب الحديد

2. مسطبة باب القطانين.

3. مسطبة باب القطانين الشمالية .

4. مسطبة سبيل الشيخ بدير .

5. مسطبة سبيل قاسم باشا .

6. مسطبة قبة موسى .

7. مسطبة الفخرية .

8. مسطبة باب المغاربة .

9. مسطبة جامع المغاربة الشرقية .

10.  مسطبة الصنوبر .

11.  مسطبة الزهور .

12.  مسطبة المتوضأ .

13.  مسطبة الجنائز .

14.  مسطبة الكرك.

15.  مسطبة كرسي سليمان .

16.  مسطبة قبة سليمان .

17.  مسطبة سبيل شعلان .

وأما المساطب التي رممت في الفترة الحديثة والواقعة في الجهة الشرقية للحرم الشريف فهي: المصطبتان الشرقيتان ومصطبة القنطرة الشرقية ومصطبتي الباب الذهبي ومصطبة صبرا وشاتيلا .

المتحف الإسلامي :

قام بتأسيسه المجلس الإسلامي الأعلى في سنة 1923 م، حيث كان مقره في بادئ الأمر في مبنى الرباط المنصوري. وفي سنة 1929 م تم نقله إلى مقره الحالي بجامع المغاربة الواقع في الزاوية الجنوبية الغربية لباحة الحرم الشريف .

ويحتوي المتحف على الكثير من نوادر التحف الإسلامية المختلفة، والتي تعكس معظم الفنون التطبيقية التي سادت عبر التاريخ الإسلامي .

فهناك مخطوطات المصاحف النادرة، والتي يقدر عددها بحوالي (650) مصحفاً مخطوطاً، فضلاً عن الوثائق المملوكية التي زاد عددها عن (900) وثيقة، والتي تعتبر من أهم الوثائق التاريخية في التاريخ الإسلامي .

وهناك أيضاً العديد من مجموعات الفنون التطبيقية الأخرى، والتي اشتملت على مجموعات من روائع القطع الفنية الإسلامية، مثل: الخزف والفخار والزجاج والنقوش الحجرية، إضافة إلى مجموعات من العملة (النقود) الإسلامية المهمة وغيرها .

هذا وقد أعيد تنظيم المتحف في الفترة الأخيرة حيث افتتح للزوار مرة أخرى في آب سنة 1980 .

مكتبة الأقصى :

وقد كتب عنها المؤرخ المقدسي العسلي في كتابه "معاهد العلم في بيت المقدس"، ص 375، ما نصه: ((افتتحت هذه المكتبة في سنة 1922م في القبة النحوية، ونقلت فيما بعد إلى المدرسة الأسعردية شمالي الحرم، ونقلت بعد ذلك إلى المتحف الإسلامي، ثم نقلت في الفترة الأخيرة إلى المدرسة الأشرفية مقرها الحالي .

وقد ذكر أمين المكتبة الحالي أن عدد مجلدات مكتبة المسجد الأقصى حالياً يبلغ حوالي أربعة عشر ألف مجلد، وقد نقلت إليها من المتحف مكتبة الشيخ خليل الخالدي ومكتبة الشيخ محمد الخليلي. وبالإضافة إلى الكتب والمخطوطات العربية تضم مكتبة الأقصى عدداً كبيراً من الكتب التركية وكذلك عدداً من الجرائد والمجلات)).
 

المصلى المرواني

 

بدايةً لا بدّ أن نعرف أن المصلّى المرواني هو جزءٌ لا يتجزّأ من المسجد الأقصى المبارك .. فنظرة سريعة إلى التعريف الشامل للمسجد الأقصى تدلّنا على هذا الأمر .

فالمسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي للمعبد العتيق في أرضِ فلسطين ، فهو مسجد قديم قدم البشرية ، بُنِيَ بعد المسجد الحرام بأربعين سنة ، و عاش في أكنافه معظم الأنبياء و المرسلين ، و المسجد الأقصى عند العلماء و المؤرّخين هو كلّ ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب ، و شكل المسجد مضلع ذو أضلاعٍ أربعة غير منتظمة و تبلغ مساحته 144 دونماً ، سمي بهذا الاسم لقوله تعالى : (سبحان الذين أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنيره من آياتنا إنه هو السميع البصير) .


و هو أولى القبلتين فبعد فرض الصلاة مكث المسلمون يتجّهون صوبه نحو سبعة عشر شهراً ، و هو ثاني المسجدين بناءاً بعد المسجد الحرام لما رواه أبو ذرّ الغفاري ، و هو ثالث الحرمين بعد المسجد الحرام و المسجد النبوي ، إذ تشدّ الرحال إليه ، كما روي عن الرسول r : "لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام و إلى المسجد الأقصى و إلى مسجدي هذا" .

فالمصلّى المرواني بهذا التعريف الشامل للمسجد الأقصى يعتبر جزءاً لا يتجزّأ من المسجد الأقصى المبارك .


ما هو المصلى المرواني ؟

يقع المصلى المرواني أسفل الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى ، و كان يُطلق عليه قديماً اسم التسوية الشرقية من المسجد الأقصى نسبة إلى التسوية المعمارية التي بناها الأمويّون في ذلك الموقع ليتسنّى لهم بناء المسجد الأقصى على أرضية مستوية و أساسات متينة ، حيث قاموا ببناء تلك الأروقة الحجرية القائمة على دعامات حجرية قوية و التي شكّلت هذه القطاعات الضخمة التي نراها اليوم كما أثبت أهل الآثار .

و يتكوّن المصلّى المرواني من ستة عشر رواقاً ، و تبلغ مساحته نحو 4000 مترٍ مربع ، و خصّص في زمن عبد الملك بن مروان كمدرسة فقهية و من هنا اكتسبت اسم المصلّى المرواني .


و في أثناء الاحتلال الصليبي لبيت المقدس استعمله الصليبيون اسطبلاً لخيولهم و مخزناً للذخيرة و أطلقوا عليه اسم اسطبلات سليمان ، و أعاد صلاح الدين الأيوبي فتحه للصلاة بعد تحرير بيت المقدس .

و بالنسبة للسقف الحالي للمصلّى فإنه يعود إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني ، أما الأعمدة و الأقواس الموجودة في المصلى فإنها تعود إلى عهد عبد الملك بن مروان .


و نسب الصليبيون اسم اسطبلات لسليمان اعتقاداً منهم أن الموقع يعود لفترة النبي سليمان عليه السلام ، و من هنا يعتقد كثيرٌ من الناس أن هذا المكان من بناء سيّدنا سليمان عليه السلام ، و هذا من التلبيس و الدسّ الذي يستعمله اليهود ، حتى تُنسَب لهم فيما بعد ، لتكون شاهداً على وجودهم على هذه البقعة منذ الأزل ، و قد أُغلق المصلّى المرواني لسنوات طويلة ، لعدة عوامل أهمّها اتساع المكان العلويّ ، و قلة عدد شادّي الرحال إليه ، إلاّ أن صعود التيار الإسلامي ساهم في مضاعفة عدد المصلّين و تعميق الوعي الإسلامي بمعاني شدّ الرحال ، حيث لم تعدْ الظروف داخل المسجد الأقصى تكفي لاستيعاب الكمّ الهائل من المصلّين ، مما أوجب ضرورة إعادة افتتاحه و تحويله إلى مصلّى و أطلقوا عليه اسم المصلّى المرواني ، نسبة إلى مؤسسه الحقيقي .


ترميمٌ و تعجيلٌ بافتتاح المرواني :

في مطلع التسعينات أطلقت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني و رئيسها الشيخ رائد صلاح مبادرة لإصلاح و ترميم المصلّى و نفّذ العمل على مراحل عن طريق مؤسسة الأقصى لإعمار المقدّسات الإسلامية و تحت إشراف هيئة الأوقاف و لجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك ، و كانت المرحلة الأولى هي تبليط و تجهيز المصلّى للصلاة ، وقد بُدِئ العمل فيه في شهر 7/ 1996م لينتهي في شهر 11/96 ، ليفتتح مباشرة للصلاة أمام جموع المسلمين ، و قد شارك في العمل آلاف من الشباب المتطوّعين الذين قدِموا من الجليل و المثلث و النقب ، حيث هُيّئت أرضيّته و بُلّطت الأرضية بالرخام اللائق ، و تمت إنارته بالكهرباء ، و ما مساحته ما يقارب 4000 متر لاستقبال المصلّين ، و صُمّم له محرابٌ خشبيّ جميل و فُرش بالسجاد و تم الانتهاء من تجهيزه في فترة زمنية قصيرة جداً ، فقد قدّرت المدة المطلوبة لتجهيز المصلّى بحوالي العامين ، ليتم تنفيذ العمل في مدة أربعة أشهر بعد تيسيرات المولى عز و جلّ ، الأمر الذي أذهل السلطات الصهيونية ، حيث قامت بحملة إعلامية ضخمة ضد العمل .

أما المرحلة الثانية فتمّ خلالها تبليط سطح المصلّى العلوي ، ففي عام 97 - 98 باشرت مؤسسة الأقصى ترميم المسطّح العلوي للمصلّى المرواني لمنع تسرّب المياه إليه ، و تم تبليط 7000 متر مربع ، و قام بتنفيذ الأعمال آلاف العاملين من المسلمين و أبناء الصحوة المباركة في الداخل الفلسطيني .


و بعد فترة من الزمن ، و بعد أن بات اليهود يتحدّثون بصورة عملية عن الاستيلاء على المصلّى المرواني ، و بالأخص بعدما أقاموا مدرّجاً من جهة الجنوب مقابل الباب الثلاثي المغلق منذ مئات السنين و لكنه يدخل إلى المصلّى المرواني , إشارة منهم إلى أنهم سيحوّلون هذا المصلّى إلى كنيسٍ لهم , في ظلّ هذه الظروف باشر أعضاء مؤسسة الأقصى بإشراف هيئة الأوقاف و لجنة الإعمار في المسجد الأقصى فتح بوابتين عملاقتين من الجهة الشمالية للمصلّى المرواني كانتا قد أغلقتا منذ زمن قديم (بعد الزلزال الذي أصاب المسجد الأقصى و دمّر كثيراً من أجزائه اضطر المسلمون إلى إغلاق الأبواب و وضع مخلّفات الزلزال من التراب و الحجارة عليها مما أدّى إلى دفنها و إخفائها) .

بدأ أعضاء المؤسّسة مشروعهم الجبّار فعملوا ليل نهار على استباق الحدث و إحداث ردّ عمليّ حقيقي لنجدة المصلّى المرواني من أطماع المتطرفين اليهود , و كان هذا الأمر و الحمد لله ربّ العالمين , و استمرّ العمل بعد ذلك و تمّ بناء درَجٍ كبير يؤدّي إلى هذه البوابات (انتهى العمل فيه في شهر 5/2000) ، كما و تمّ تبليط العديد من الساحات الشرقية المؤدّية إلى درَج و أبواب المصلّى المرواني الجديدة ، لتصبح المساحة المبلّطة ما يقارب من 5000 متر مربع ، و تم كذلك بناء جدارٍ صخريّ لمنع انهيار التراب ، و كذلك إنشاء و بناء مضخّة مياهٍ تضخّ مياه الأمطار التي تتجمّع أمام البوابات ، و تم تركيب خط إطفائية ، و خط أنابيب مياه يصل إلى بوابات المرواني الجديدة ، حيث تم بناء سبل مياه للشرب ، و تم العمل لإزالة أكوام التراب من الناحية الشرقية المحاذية للبوابات .

و في (4/12/1999) تمّ فتح البوابات العملاقة للمصلّى المرواني ، ليستوعب أكثر من ستة آلاف مصلٍ داخل المصلّى المرواني و مثلهم على سطحه العلوي .


أطماع يهودية جديدة - قديمة بالمصلّى المرواني :

أطماع اليهود بالمسجد الأقصى أطماع قديمة و تحديداً أطماعهم بالمصلّى المرواني ، فقد أثار الصهاينة ضجّة كبيرة ضد عملية الإصلاح و الترميم في المصلّى المرواني التي قامت بها مؤسسة الأقصى و هيئة الأوقاف و كتبت الصحف العبرية حين ذاك أن المسلمين يقيمون مسجداً سرّياً تحت المسجد الأقصى ، هذه الضجة التي أثارها الصهاينة ترجِع بالدرجة الأولى إلى وجود مخطّطات داخل الحكومة الصهيونية لتحويل هذا المصلّى إلى كنيسٍ يهودي في إطار تسويةٍ ما للقضية الفلسطينية ، و لا أدلّ على ذلك مما فعله باراك عام 1999 ، ففي 3/أكتوبر قامت حكومة باراك ببناء درَجٍ حتى السور الذي هو حائط المصلّى المرواني و الحدّ الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك ، و قد افتتحه باراك نفسه و ادعى كذِباً أن هذا المكان مدخل الهيكل .


و في إشارة واضحة للأطماع اليهودية في المصلّى المرواني برزت حين اقتحم آرئيل شارون 28/9/2000 المسجد الأقصى و حاول دخول المصلّى المرواني عبر باحات المسجد الأقصى مدنّساً حرمة المكان ، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى ، و من يومها منعت دائرة الأوقاف الإسلامية دخول اليهود و السيّاح الأجانب إلى باحات المسجد الأقصى ، إلى أن فرض و بعد مرور ثلاثة سنوات وزير الأمن الداخلي "تساحي هنغبي" السماح بدخول اليهود و الأجانب إلى ساحت المسجد الأقصى و الذين حاولوا مراراً و تكراراً أداء شعائر دينية مشبوهة أمام المصلّى المرواني و في أماكن أخرى من المسجد الأقصى .


المرواني .. وسط عاصفة إعلامية ترهيبيّة :

في الأول من نيسان 2004 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية خبراً مفاده أن تقريراً سرياًّ قُدّم لرئيس الوزراء الصهيونيّ آرئيل شارون يوصي بإغلاق المصلّى المرواني و محيطه أمام المصلّين المسلمين ، و ادعى التقرير أنه بسبب الزلزال الذي حدث في فبراير 2004 فإن الجدار الشرقيّ للمسجد الأقصى يتهدّده خطر الانهيار الفوري ، مما قد يتسبّب بانهيار المصلّى المرواني .


و في 30/6/2004 حاولت الشرطة الصهيونيّة بالقوة منع إتمام عمليات الترميم و الإصلاح كانت تقوم بها دائرة الأوقاف في مدخل المصلّى المرواني تهدف إلى وقف تدفّق مياه الأمطار في فصل الشتاء إلى داخل المصلّى .

و في 26/9/2004 بدأت المؤسسة الصهيونيّة و أذرعها المختلفة بحملة إعلامية واسعة النطاق حول أخطار انهيار المصلّى المرواني بسبب اكتظاظه بالمصلّين خلال شهر رمضان المبارك ، و أصدر رئيس الحكومة الصهيونيّة آرئيل شارون أوامر مغلّفة للأجهزة الأمنية الصهيونيّة بإغلاق المرواني و منع الصلاة فيه بحجة منع "كارثة إنسانية"- حسب زعمه - ، و سارعت دائرة الأوقاف الإسلامية و مؤسسة الأقصى بالردّ على الادعاءات الصهيونيّة و أكّدت أن المصلّى المرواني بخير و أن وضعه الإنشائي مستقرّ .


التصريحات الصهيونيّة بإغلاق المصلّى المرواني بحجة خطر انهيارٍ تسارعت بشكلٍ ملفت ، فبعد يومٍ واحدٍ من تصريحات شارون خرج القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي "جدعون عزرا" ليقول : "إن (إسرائيل) ستحدّد عددَ المسموح لهم بالدخول إلى الأقصى إذا لم تحلّ إشكالية الترميمات في المصلّى المرواني" ، لتُسرّب بعد أيام معلومات بأن سلطات الاحتلال ستغلق نصف المصلّى المرواني .


و في 12/10/2004 قالت المؤسسة الصهيونيّة إن هناك "اتفاقاً معيّناً" بإغلاق جزءٍ من المرواني ، إلا أن دائرة الأوقاف كَذّبت هذه الرواية و قالت إن الحقيقة هي منطقة صغيرة تجري فيها الآن أعمال ترميم في المصلّى المرواني أغلقت للمحافظة على سلامة المصلّين ، و بعد يومٍ واحدٍ فقط نشرت الصحافة العبريّة تقريراً مفصّلاً بأنه سيتمّ عزل مدينة القدس و محاصرة الأقصى و أن السلطات الصهيونيّة لن تسمح إلا لـ 50 ألف مصلٍّ فقط بالدخول إلى المسجد الأقصى في يوم الجمعة الأول من شهر رمضان .


تراجع شارونيّ :

عشيّة شهر رمضان المبارك و ظهر يوم الخميس 14/10/2004 و بعد اقتحام القائد العام للشرطة الصهيونيّة "موشيه كرداي" للمسجد الأقصى و المصلّى المرواني و الاطّلاع على الأوضاع فيه ، يخرج بتصريحٍ بأن الحرم القدس آمن بالنسبة للمصلّين و يقول : "إن الحرم القدسي آمنٌ بالنسبة للمصلّين ، بعد إجراءات عمليّات صيانة في الـ 48 الساعة الأخيرة و ذلك بأمرٍ من الأوقاف الإسلامية و بالتعاون مع الأردن و باستشارة خبراء في المجال العمراني" ، بعد ساعاتٍ قلائل ، و إجراء مشاورات في مكتب رئاسة الحكومة الصهيونيّة يتراجع شارون عن تحديد عدد المصلّين في الأقصى يوم الجمعة الأول من شهر رمضان بعد حملة الترهيب و التخويف الواسعة من انهيار المصلّى المرواني .

و رغم أن القدس و محيط المسجد الأقصى كانا يوم الجمعة الأخيرة أشبه بالثكنة العسكرية إلاّ أن نحو 100 ألف وصلوا من القدس و من مدن و قرى الداخل الفلسطيني ليصلّوا في المسجد الأقصى المبارك و أنحاء المصلّى المرواني ..


و يبقى التساؤل .. ؟!!

يوم الخميس الأخير 14/10/2004 كان يوماً حافلاً بالأحداث و التصريحات بالنسبة للمصلّى المرواني ، فقد ذكرت مصادر أمنية صهيونيّة إن تراجع شارون عن قراره بتحديد الأعداد التي يسمح لها بالصلاة في المسجد الأقصى إنما جاء بعد قبول رئيس الوزراء شارون بالتوصيات التي رفعها قائد الشرطة الصهيونيّة العام في أعقاب "اتفاقٍ" مع الأوقاف الإسلامية و الأردن على إغلاق أجزاء من المصلّى المرواني لن يسمح للمصلّين بالاقتراب منها خشية الانهيار – حسب الرواية الصهيونيّة – ،كما جاء على لسان المتحدّث باسم الشرطة الصهيونيّة "جيل كلايمان" بأن القائد العام للشرطة الصهيونية قد قام يوم الخميس الأخير يرافقه قائد شرطة القدس بجولة في ساحات الأقصى اطّلع خلالها على أعمال الترميم و تدابير السلامة !! .


رواية هيئة الأوقاف الإسلامية تختلف تماماً و تؤكّد كما قال الشيخ محمد حسين – مدير و خطيب المسجد الأقصى - : "أن أعمال الصيانة جارية الآن في جزءٍ من قاعة الصلاة التي ستقفل أمام المصلّين و قد أغلق ممرّ أو ممرّان أمام المصلّين" – صحيفة القدس - ..


و كانت فرق الهندسة الفلسطينية و الأردنيّة و المصريّة أعلنت سابقاً أن قاعة الصلاة التي تستطيع استيعاب أكثر من 5000 مصلٍّ ليست معرّضة لخطر الانهيار ، و من جهته قال مدير الأوقاف عدنان الحسيني لصحيفة القدس إن قاعة الصلاة لا تشكّل أيّ خطر ، متّهماً الكيان الصهيونيّ بالحديث عن خطر الانهيار لأسباب سياسية ، و أكّد الحسيني : "أن المصلّين لن يستطيعوا الصلاة في الجزء الكائن تحت الأقصى من المصلّى المرواني حيث الأعمال جارية ، و لا في الجزء من المسجد الأقصى الذي يستخدم سقفاً لهذه القاعة" ، و كانت بالفعل قد وضعت دعائم و حواجز لمنع المصلّين من دخول ثلاث أروقة قصيرة في المرواني و منطقة ضيّقة على سطحه العلوي للمحافظة على سلامة المصلّين .

هذه التصريحات و الأحداث المتسارعة دفعت صحيفة القدس الفلسطينية إلى أن يتصدّر عنوانها الرئيسي صباح الجمعة : "بعد اتخاذ الأوقاف تدابير تبعد المصلّين عن مناطق الخطر – السلطات (الإسرائيلية) تراجعت عن تقليص عدد المصلين ، السماح لحاملي الهوية الزرقاء فقط بدخول الأقصى اليوم" .


الإعلام الصهيونيّ لم يمرّ على أحداث و تصريحات الخميس مرّ الكرام بل جعلها مادة للتحليلات و التفسيرات ، مما جعل الصحافي الصهيونيّ "عامي بن دافيد" في خبرٍ له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة صباح الجمعة يقول : "إن (إسرائيل) ترى أنها حقّقت في قضية الحرم القدسي – المصلّى المرواني - نجاحاً باتجاهين ، الأول القبول بالشروط (الإسرائيلية) كلّها ، و ثانيها تبنّي وجهة النظر (الإسرائيلية) بأن مبنى المصلّى المرواني يتهدّده الخطر" .

هذا التحليل الصهيونيّ و التفسير ليس عفوياً ، بل يقصد منه التركيز على أن السيادة و السيطرة على المسجد الأقصى هي للمؤسسة الصهيونيّة و يمكنها أن تفرض هذه السيطرة بأساليب مختلفة .


و لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه : هل توقّفت الأطماع الصهيونيّة بالمسجد الأقصى و المصلّى المرواني عند هذا الحدّ .. ؟! أم أنها الخطوة الأولى في فرض المزيد من السيطرة على أنحاء من المسجد الأقصى المبارك ؟! و هل سيخرج المسجد الأقصى و المصلّى المرواني سالماً و صامداً في وجه هذه العاصفة ؟!! ..

مآذن الحرم الشريف

 

لم تسعفنا المصادر التاريخية عن ماهية وعدد مآذن المسجد الأقصى في الفترات الإسلامية المبكرة، ولكننا اليوم أمام أربع مآذن يعود تاريخ إنشائها للفترة المملوكية، حيث تقع ثلاثة منها على صف واحد في الجهة الغربية للحرم الشريف. وأما الرابعة فتقع في الجهة الشمالية على مقربة من باب الأسباط، ومن المحتمل جداً أن هذه المآذن الأربعة، قامت على أساس وأنقاض قواعد المآذن الأموية للمسجد الأقصى المبارك .

ومن الملاحظ أن المآذن الأربعة أقيمت في الجهتين الشمالية والغربية، ذلك أن تمركز السكان في ذلك الوقت كان في تلكما الجهتين، فكان لكل مئذنة مؤذن واحد يقف على شرفة المئذنة وينادي بالآذان لإسماع السكان القاطنين في جهتي المدينة. وعلى ما يبدو أنه لم تكن أية مئذنة في الجهتين الجنوبية والشرقية والتي كانتا بمثابة سور للمدينة في ذلك الوقت .

وقد أنشئت مآذن الحرم الشريف الأربعة التي نراها اليوم في عهد المماليك في الفترة الواقعة ما بين 677-769 هجرية/ 1278 – 1736 ميلادية)، حيث امتازت بشكل عام من الناحية المعمارية بمساقط مربعة الشكل تتألف من عدة طوابق، تنتهي بالأعلى للشرفة التي تعلوها القبة الصغيرة والتي تعرف بالخوذة أو المبخرة التي توجت بالهلال، ويصعد إلى شرفاتها بواسطة الدرج (السلم الحجري) الحلزوني الشكل والموجود بداخل المئذنة، وقد زخرفت مآذن الحرم بزخارف مملوكية مختلفة أهمها المقرنصات (1) التي زينت قواعد شرفاتها .

وقد لافت مآذن الحرم الشريف اهتماماً شديداً من قبل المجلس الأعلى حيث دأب على الحفاظ عليها من خلال ترميماته المكثفة لها في الفترة ما بين (1922-1927) (2) .

وأما المآذن الأربعة فهي:

(1)  مئذنة باب المغاربة (3) : (دليل الموقع – 12)

تقوم هذه المئذنة في الركن الجنوبي الغربي للحرم الشريف، وتعرف كذلك بالمئذنة الفخرية نسبة للقاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الخليلي (4) الذي أشرف على بنائها خلال فترة وظيفته كناظر الحرمين الشريفين (في القدس والخليل) في سنة 677 هجرية/ 1278 ميلادية، في عهد السلطان الملك السعيد ناصر الدين بركة خان (676-678 هجرية/ 1277 – 1280) .

(2)  مئذنة باب السلسلة (5) : (دليل الموقع – 13)

تقوم هذه المئذنة في الجهة الغربية للحرم الشريف بين باب السلسلة والمدرسة الأشرفية. وقد تم بناؤها في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سلطنته الثالثة (809 – 741 هجرية/ 1309-1340 ميلادية)، على يدي نائبه الأمير سيف الدين تنكز الناصري (6) سنة 730 هجرية/ 1329 ميلادية، وذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في الجهة الشرقية من قاعدة المئذنة بما نصه (7):

((بسم الله الرحمن الرحيم أمر بعمارة هذه المنارة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الناصر/ … في سنة ثلاثين وسبعمائة)) .

(3)  مئذنة باب الغوانمة (8) : (دليل الموقع – 14)

تقوم هذه المئذنة في الركن الشمالي الغربي للحرم الشريف بجانب باب الغوانمة. وقد تم بناؤها في عهد السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين (696-698 هجرية/ 1297-1299ميلادية)، على يدي القاضي شرف الدين عبد الرحمن بن الصاحب الوزير فخر الدين الذي أشرف على بناء مئذنة باب المغاربة (9) .

وقد تم تجديدها في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في نفس تاريخ إنشائه لمئذنة باب السلسلة المذكورة سابقاً (10) وعلى يدي نائبه الأمير سيف الدين تنكز. وقد عرفت مئذنة باب الغوانمة أيضاً بمنارة قلاوون.

(4)  مئذنة باب الأسباط (11) : (دليل الموقع – 15)

تقوم هذه المئذنة في الجهة الشمالية للحرم الشريف، بين باب حطة وباب الأسباط، وقد تم بناؤها في عهد السلطان الملك الأشرف شعبان (764-778 هجرية/ 1363-1376 ميلادية) على يدي ناظر الحرمين الشريفين الأمير سيف الدين قطلوبغا في سنة 769 هجرية/ 1367 ميلادية، وذلك وفقاً للنقش التذكاري والذي كان موجوداً عليها، حيث جاء فيه ما نصه(12):

((أنشئت هذه المنارة المباركة في أيام مولانا السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون/ خلد الله ملكه الأمير سيف الدين المقر الأشرفي السيفي قطلعوبغا ناظر الحرمين الشريفين أعز الله أنصاره في تاريخ سنة تسع وستين وسبعمائة)) .

ومن الجدير بالإشارة إلى أن شكل قاعدة هذه المئذنة تختلف عن المآذن الأخرى، فهي ثمانية الأضلاع وليست مربعة، فعلى ما يبدو أنه أعيد بناؤها بشكلها الأسطواني هذا في الفترة العثمانية .

أروقة الحرم الشريف

 

  لم تسعفنا المصادر التاريخية بإعطائنا وصفاً لأروقة الحرم الشريف في الفترات الإسلامية المبكرة، باستثناء الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار المسجد الأقصى قبل الاحتلال الصليبي له، والذي أشار إلى وجود رواق في الجهة الشرقية للحرم الشريف (1) ، ولكنه تهدم واندثر جراء الهزات الأرضية التي حدثت في القدس .

ولكننا اليوم أمام رواقين قائمين في الجهتين الشمالية والغربية للحرم الشريف واللذين من المحتمل أن يكونا قد أقيما على أساسات أروقة الحرم الشريف الأصلية والقديمة التي تعود للفترات الإسلامية المبكرة. وقد عرفا بالرواقين: الشمالي والغربي. وقد أقيمت لغرضي الصلاة والتدريس، حيث يتقي المصلون والدارسون تحتها من حرارة الشمس في أيام الصيف والأمطار الغزيرة في أيام الشتاء .

الرواق الشمالي

وهو الذي يقوم في الجهة الشمالية للحرم الشريف ممتداً من الشرق إلى الغرب، والذي يتألف من عقود حجرية تقوم على دعامات حجرية متتابعة غطيت بسلسلة من الأقبية المتقاطعة، وقد تخللها ثلاثة من أبواب الحرم الشريف وهي باب الأسباط وباب حطة وباب العتم، إضافة إلى مئذنة باب الأسباط .

وقد تم إنشاء وتعمير هذا الرواق في الفترة ما بين (610-760 هجرية/ 1213-1358 ميلادية)، حيث تم تعمير قسم منه في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك العظيم عيسى، وهو القسم الذي يقع ما بين باب العتم والمدرسة الفارسية وذلك حسب ما ورد في النقش التذكاري الموجود قرب باب العتم (2) .

وأما بقية الرواق فقد تم إنشاؤه على مراحل متتابعة في الفترة المملوكية، كما وبني فيه وفوقه مجموعة من المدارس الدينية المملوكية والتي أكسبته رونقاً وجمالاً من خلال واجهاتها المعمارية التي تعكس التطور المعماري للحرم الشريف في الفترة المملوكية .

وقد بلغت المدارس الدينية التي احتضنت في قلب هذا الرواق والقائمة فيه وعليه حتى يومنا هذا تسع مدارس وسنوردها بالترتيب من الشرق إلى الغرب كالآتي (3) :

1) المدرسة الغادرية: (دليل الموقع – 16)

الواقعة بين باب حطة وباب الأسباط، والتي بنيت في عهد السلطان الأشرف بارسباي في سنة 836 هـ، على يدي "مصر خاتون" زوجة الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر .

وتقوم اليوم دائرة الأوقاف الإسلامية بترميمها لتكون صالحة لاستخدامها كمكاتب لها .

2) المدرسة الكريمية : (دليل الموقع – 17)

الواقعة بباب حطة، والتي بنيت في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، والتي أوقفت على يدي الصاحب كريم الدين بن عبد الكريم بن المعلم هبة الله في سنة 718 هـ، وتعرف اليوم بدار جار الله الذين ما زالوا يرابطون فيها .

3) المدرسة والتربة الأوحدية: (دليل الموقع – 18)

الواقعة بباب حطة إلى الشرق من المدرستين الدوادارية والباسطية. وقد أوقفها الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الملك الناصر صلاح الدين في سنة 697 هجرية/ 1298 ميلادية وتعتبر أقدم نموذجاً للترب (جمع تربة) الأيوبية التي أقيمت في الفترة الأيوبية وبخاصة في الرواق الشمالي للحرم الشريف .

4) المدرسة الباسطية : (دليل الموقع – 19)

الواقعة فوق الرواق مقابل المدرسة الدوادارية. وقد أوقفت على يدي القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي في سنة 834 هجرية/ 1413 ميلادية، هذا ويستخدم قسم منها اليوم كمدرسة (مدرسة البكرية للبنين) والقسم الآخر كبيت سكن لإحدى العائلات المقدسية .

5) المدرسة الدوادارية : (دليل الموقع – 20)

الواقعة بباب العتم والتي بنيت على يدي الأمير علم الدين أبو موسى سنجر الداوادار (أي صاحب دواة السلطان وهو ما يعادل السكرتير الخاص به) وذلك في سنة 695 هجرية/ 1295 ميلادية، وهي اليوم مقراً للمدرسة البكرية الابتدائية للبنات .

6) المدرسة الأمينية: (سيأتي تفصيلها) .

7) المدرسة الفارسية: (سيأتي تفصيلها) .

8) المدرسة الألملكية: (سيأتي تفصيلها) .

9) المدرسة الأسعردية: (دليل الموقع – 24) .

الواقعة فوق الرواق إلى الغرب من المدرسة المالكية. وقد أوقفت على يدي مجد الدين أبي بكر بن يوسف الأسعردي في سنة 760 هجرية/ 1359 ميلادية، وتستخدم اليوم كدار للسكن حيث يرابط فيها جماعة من آل البيطار .

هذا وقد ذكر مجير الدين ثلاثة مدارس أخرى كانت تقوم فوق القسم الشرقي من الرواق الشمالي للحرم الشريف وتهدمت وأزيلت مع مرور الزمن، وهي الحسنية والطولونية والفنارية (4) .

وقبل البدء بشرح بعض النماذج من هذه المدارس المذكورة أعلاه، لا بد لنا من عرض بعض الحقائق العلمية والأثرية (المعمارية) التي تخص عمارة المدارس المملوكية بالقدس والحرم الشريف وهي:

1- امتازت المدارس المملوكية بواجهاتها الرئيسية التي حددت الحدود الخاصة لكل مدرسة على حدة وذلك من خلال الإطار المميز المحيط بها.

2- اشتمل مخطط الطابق الأرضي للمدرسة المملوكية بشكل عام على : المدخل الرئيسي الذي يؤدي إلى الدركاة التي كانت عبارة عن (موزع) تؤدي إلى غرفة الضريح في جانب والغرفة المقابلة، (والتي من المحتمل أنها كانت للحراسة)، في الجانب الآخر ومن ثم يدخل إلى الساحة المكشوفة التي تتوسط المدرسة والمحاطة بالغرف الصغيرة (الخلاوي للتعبد/ جمع خلوة) وفي بعض الأحيان يكون الإيوان المفتوح في صدر الساحة المكشوفة والمحاط بغرفتين من كل جانب مثل ذلك في المدرستين الجوهرية والمزهرية (9) .

وأما الطابق الأول الذي يصعد إليه من خلال السلم الحجري الواقع في زاوية ما في الطابق الأرضي، فيتألف في معظم الأحيان من الممرات المكشوفة التي تؤدي إلى الغرف والخلاوي المحيطة بها على غرار الخلاوي الواقعة في الطابق الأرضي، هذا وتجدر الإشارة هنا إلى وجود بعض الاختلافات من مدرسة إلى أخرى بشكل طفيف وليس جوهرياً .

3- تميزت عمارة المدارس المملوكية بعناصر معمارية نذكر منها:

أ‌)  الواجهة المعمارية التي تعتبر مفتاح المبنى بحد ذاته .

ب‌) الإطار الحجري المزخرف أو المنحوت الذي يحدد الواجهة الرئيسية ومن ثم المعلم نفسه .

ج) استعمال الحجارة الملونة وخاصة اللونين الأحمر والأبيض (المشهر) وذلك بترتيبها بصفوف (مداميك) حجرية متناوبة: أحمر وأبيض .. وهكذا .. وكذلك استخدام الحجارة ذات اللون الأسود .

د) استعمال صفوف المقرنصات الهندسية المزخرفة وبخاصة فوق المدخل الرئيسي للواجهة الرئيسية في أعلى القوصرة، وكذلك استعمال الصنج المعشقة المشهرة .

هـ) استعمال اللوحات النباتية والهندسية وبخاصة فوق شبابيك غرف الضريح والمدخل الرئيسي.

و) استعمال الشريط الكتابي (النقش التذكاري) الذي يعتبر وثيقة تاريخية وأثرية في تدقيق الأثر نفسه حيث يعطينا اسم مؤسس المبنى وتاريخ إنشائه ووظيفته .

ز) استعمال المصبغات الحديدية كحماية على الشبابيك الواقعة في الواجهة الرئيسية .

وقد ارتأينا أن نعرض ثلاثة نماذج من المدارس المملوكية الواقعة في الرواق الشمالي للحرم الشريف وهي: الألملكية، الفارسية، والأمينية .

المدرسة الألملكية : (دليل الموقع -  23)

تقع المدرسة الألملكية في الرواق الشمالي للحرم الشريف بين المدرستين الفارسية من الجهة الشرقية والأسعردية من الجهة الغربية، ويدخل إلى المدرسة من خلال مدخلها الرئيسي الجميل الواقع في الجهة الغربية والذي يتوصل إليه بواسطة السلم الحجري المؤدي لكلتا المدرستين الألملكية والأسعردية .

ويتألف مبنى المدرسة الألملكية من طابقين، الأول والذي يتكون من القاعة الرئيسة الواقعة في الجهة الجنوبية للمبنى وغرفة الضريح المدفون فيه جثمان زوجة الأمير آل ملك الجوكندار والغرف الصغيرة المحيطة بالساحة المكشوفة.

وأما الطابق الثاني فيتكون من عدد من الغرف الصغيرة والكبيرة والتي أضيفت في الفترة العثمانية المتأخرة على يدي مالكيه (آل الخطيب) وذلك لتوسيع المبنى ليتناسب واحتياجات قاطنيه .

هذا وتمثل عمارة المدرسة الألملكية متحفاً للعمارة المملوكية في القدس حيث اشتملت على معظم العناصر المعمارية المملوكية والتي تجلت في واجهتها الرئيسية ومدخلها الرئيسي من خلال استخدام الحجارة المشهرة (الملونة باللونين الأحمر والأبيض المتتاليين) وصوف المقرنصات المزخرفة والصنج المعشقة والنقش التذكاري الذي يشير إلى تاريخ عمارتها والرنوك (الشعارات) السلطانية التي تحف به من الجانبين والتي تشير إلى شعار الأمير جوكندار المتمثل بالعصا التي يحملها لاعب الكرة (البولو) حيث كان الحاج آل ملك مسؤولاً عن حمل عصا الملك الناصر محمد أثناء اللعب ومن هنا جاء لقبه بالجوكندار "plol masters".

وأما من الداخل، فلم يقل مستوى استخدام العناصر المعمارية والزخرفية عن المستوى الذي استخدم في الواجهتين المذكورتين، فقط حافظ المعماري المملوكي على نسيج واحد متكامل ومتجانس سواء في داخل مبنى المدرسة أو خارجها وذلك ليعكس مدى جمال وتناسق الزخم المعماري المملوكي في الحرم الشريف .

تاريخ المبنى:

قام بإنشاء المدرسة الألملكية والتي تعرف أيضاً باسم "مدرسة الجوكندار"، الحاج آل ملك الجوكندار في سنة 741 هجرية/ 1340 ميلادية في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلال سلطنته الثالثة (709 –741 هجرية/ 1309-1340ميلادية)، وذلك حسب ما يشير إليه النقش التذكاري (6) والذي يقوم في واجهتها الرئيسية. وقد كان الأمير الحاج آل ملك الجوكندار من رجالات الدولة المملوكية حيث شغل مناصب متعددة ومهمة فقد كان جوكندار للملك الناصر محمد بن قلاوون، وكذلك تولى نيابة السلطنة في الديار المصرية في عهد الملك الصالح عماد الدين إسماعيل (743-746 هجرية/ 1342 – 1345 ميلادية)، حتى تم خلعه عنها على يدي الملك الكامل سيف الدين شعبان (746 –747 هجرية/ 1345-1346 ميلادية)، وولاية نيابة صفد كإهانة له  (7) .

وأما عن وقفية المدرسة، فقد جاء أن زوجة الحاج آل ملك الجوكندار والمعروفة باسم "ملك بنت السيفي قلطقتم الناصري" قامت بوقف الأموال اللازمة للصرف على المدرسة ومن المحتمل عمارتها أيضاً من أموالها الخاصة وذلك حسب ما جاء في الوقفية المؤرخة في سنة 745 هجرية/ 1344 ميلادية والتي ذكرها مجير الدين (8). وقد قامت زوجة الأمير آل ملك الجوكندار بعمل وقفية أخرى في سنة 757 هجرية/ 1356 ميلادية (9) ، حيث أوقفت عليها خان الحبالين الواقع بمدينة غزة وجميع الحوانيت السبع الملاصقة للخان .

هذا وقد ظلت المدرسة الألملكية تقوم بدورها الحضاري كمعهد من معاهد العلم في الحرم الشريف في القدس حتى نهاية القرن الثاني عشر الهجري، حيث اشتهر من شيوخها (10) : الشيخ الإمام سراج الدين الحنبلي المتوفي سنة 755 هجرية، والشيخ شرف الدين القرقشندي المقدسي المتوفي سنة 836 هجرية، وقاضي القضاة جمال الدين الأنصاري المالكي المتوفي سنة 850 هجرية تقريباً، والشيخ علي بن حبيب الله المتوفي سنة 1144 هجرية.

وتعتبر المدرسة الألملكية وقفاً ذرياً لآل الخطيب الذين يرابطون فيها حتى يومنا هذا .

المدرسة الفارسية : (دليل الموقع – 22)

تقع المدرسة الفارسية فوق الرواق الشمالي للحرم الشريف، بين المدرستين الأمينية والألملكية، ويدخل إلى المبنى الحالي للمدرسة بواسطة مدخل بسيط يقوم تحت الرواق المذكور حيث يؤدي إلى سلم حجري يتوصل من خلاله إلى المبنى نفسه .

ويتألف المبنى من طابق واحد يتكون من ثلاث غرف مربعة الشكل تقريباً ممتدة على صف واحد من الغرب إلى الشرق، إضافة إلى الساحة المكشوفة الصغيرة الواقعة خلف الغرف المذكورة والمحاطة بغرفتين صغيرتين من الجهة الغربية .

تاريخ المبنى:

شاء القدر أن لا يبقى من معالم المدرسة الفارسية الأصلية شيء يؤكد عمارتها التي كانت تتمتع بها، حيث تكاد أن ندرجها في جدول المعالم المملوكية الدارسة في القدس. ولكن لولا ذكرها في كتب التاريخ لما استطعنا التعرف عليها، حيث تمت الإشارة إليها عند مجير الدين (11) ضمن المدارس الواقعة في الرواق الشمالي للحرم الشريف، مشيراً إلى أنه أطلع على الوقفية المؤرخة في الثالث من شعبان سنة 755 هجرية والتي تنص على أن واقفها هو الأمير فارس ألبكي بن الأمير قطلو ملك بن عبدالله نائب السلطنة بالأعمال الساحلية والجبلية ونائب غزة، وذلك في عهد السلطان الملك الناصر حسن خلال سلطنته الثانية (755 –762 هجرية/ 1354 – 1261ميلادية)، ووقف عليها قسماً من قرية طولكرم (مدينة كبيرة في شمال فلسطين اليوم). ونجد في مصدر آخر ما يدل (12) على أن الأمير المذكور أعلاه قد أنشأ المدرسة الفارسية ووقف عليها نصل أراضي قرية الشويكة قضاء نابلس وذلك في تاريخ 753 هجرية/ 1352 ميلادية، وقد دعيت الفارسية بهذه الوقفية باسم خانقاه (دار للعبادة والتصوف باللغة الفارسية).

ونعتقد بأن المصدر الثاني أدق من مجير الدين، لاعتماد مؤلفه الدكتور العسلي على سجلات المحكمة الشرعية بالقدس.

كما وقام الأمير فارس ألبكي بإنشاء مدرسة بالقاهرة سميت بالفارسية بعد الفارسية بالقدس، وعليه نميل إلى الاعتقاد إلى أن تاريخ عمارة الفارسية يعود إلى ما بين 750 – 753 هجرية .

وقد كانت المدرسة الفارسية معهداً علمياً ساهم في دفع النهضة العلمية والحضارية في القدس، فقد برز من شيوخها القدماء والمحدثين الشيخ زين الدين المتوفي سنة 838 هجرية، والمدفون في مقبرة باب الرحمة بالقدس الشريف (13) .

هذا وعلى ما يبدو أن عمارة المدرسة الفارسية الأصلية قد تهدمت أثر زلزال حدث في فترة لاحقة (لم تسعفنا الروايات التاريخية بالإشارة إليه)، الأمر الذي جعل العثمانيين يعيدون بناءها بالشكل التي هي عليه الآن .

وتشير السجلات الوقفية إلى استمرارية استخدام المبنى كمدرسة وسكن لشيوخها بنفس الوقت في الفترة العثمانية، والذين نذكر منهم (14) :

الشيخ طه بن صالح المكنى بأبي الرضا الديري المقدسي الحنفي المتوفي سنة 1071 هجرية، والذي سكن المدرسة الفارسية ودرس فيها، والشيخ فتح الله بن طه (الخالدي) الديري الذي عين شيخاً بالفارسية في سنة 1077 هجرية، وكذلك الشيخ موسى بن محمود الخالدي الذي درس فيها سنة 1124 هجرية .

ونخلص بالقول إلى أننا أمام معلم أثري مهم ذو تاريخ ووقف إسلامي عام يعود للفترة المملوكية، وعمارة عثمانية طالما لعب دوراً فعالاً في نهوض الحركة العلمية والحضارية في القدس الشريف .

والمبنى اليوم يسكنه جماعة من آل الدجاني كانوا قد استأجروه من دائرة الأوقاف الإسلامية على اعتبار أنه وقف إسلامي عام .

المدرسة أو الزاوية الأمينية : (دليل الموقع – 21)

تقع المدرسة أو الزاوية الأمينية بقرب باب العتم بالنسبة للطابقين الأرضي والأول منها، وفوق الرواق الشمالي للحرم الشريف إلى الشرق من المدرسة الفارسية بالنسبة إلى الطابقين الثاني والثالث منها، ويتألف مبنى المدرسة الأمينية من أربعة طوابق: الأرضي والأول والثاني والثالث. ويتكون الطابق الأرضي من المدخل الرئيسي الذي يطل على طريق باب العتم والدركاه (الموزع) المؤدية إلى غرفة الضريح والإيوان والصحن المكشوف الذي يتوسطه حوض ماء مربع الشكل، وقد كان الطابق الأرضي يستخدم للتدريس .

وأما الطابق الأول فهو عبارة عن أربعة غرف مربعة الشكل تقريباً تقوم في الجهة الجنوبية منه إضافة إلى الدهاليز (الممرات المقبية) المحيطة بالمنور والذي على ما يبدو أنه قد تم تغطيته في فترة لاحقة (الفترة العثمانية) ومجموعة من الغرف الصغيرة التي تقوم في الجهة الشمالية للطابق الأول. ويصعد إلى الطابق الثاني من خلال السلم الحجري المؤدي إلى الساحة المكشوفة التي تتقدم الغرف والقاعة الرئيسية المطلة على ساحة الحرم الشريف، وأما الطابق الثاني فيتألف من غرف صغيرة وكبيرة تقوم في الجهتين الشمالية والجنوبية للساحة المكشوفة .

تاريخ المبنى

قام بإنشاء المدرسة أو الزاوية الأمينية الصاحب أمين الدين عبد الله سنة 730 هجرية/ 1329 ميلادية في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلال سلطنته الثالثة (709 –741 هجرية/ 1309-1340 ميلادية)، حيث تم ذكرها عند المؤرخين مثل ابن فضل الله العمري (15) وكذلك مجير الدين الحنبلي (16) .

ومن خلال زيارتنا للموقع فقد اتضح لنا أن المبنى قد مر بمرحلتين تاريخيتين متعاقبتلتي أضيفين في الفترة المملوكية و فترة التأسيس والفترة العثمانية وهي فترة الترميمات والإضافات .

وتتمثل الفترة المملوكية بالطابق الأرضي والأول والقسم الجنوبي من الطابق الثاني والذي يقوم على الرواق الشمالي للحرم الشريف والمطل على ساحته من خلال واجهته التي زينت بالشبابيك الجميلة ذات العناصر المعمارية المملوكية حيث تكتنف هذه الواجهة في داخلها الدركاه والقاعة الرئيسية والغرفة المجاورة لها من الجهة الشرقية .

وعلى ما يبدو فإن المبنى قد تهدم إثر الهزة الأرضية التي حدثت في سنة 952 هجرية/ 1546 ميلادية (17) مما ترتب عليه عمل ترميمات وإضافات في الفترة العثمانية ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين .

ولقد لعبت المدرسة الأمينية دوراً هاماً في تنشيط الحركة العلمية والحضارية في القدس الشريف، حيث اشتهر من شيوخها وناظريها في الفترة المملوكية الشيخ إبراهيم بن أبي بكر الموصلي (18) والذي تم تعيينه وفق مرسوم سلطاني موقع من نائب السلطنة في دمشق حسب ما كان متبعاً في الفترة المملوكية .

وأما في الفترة العثمانية فقد كان حاكم القدس الشرعي الذي يقوم بالتعيينات السلطانية لوظفتي المشيخة والتدريس في المدرسة الأمينية كما هو الحال في المدارس الأخرى في القدس الشريف، حيث اشتهر من شيوخها في الفترة العثمانية الشيخ عبدالله بن الشيخ يوسف الذي تم تعيينه فيها سنة 1080 هجرية، وكذلك الشيخ محمد أسعد الإمام الحسيني وعدد من أقربائه الشيوخ الذين عينوا في وظيفة التولية والنظر والمشيخة على المدرسة الأمينية في سنة 1281 هجرية (19) .

وتعتبر المدرسة الأمينية وقفاً ذرياً لآل الإمام حيث يسكن فيها حالياً الشيخ أسعد الإمام الذي حرص على الحفاظ عليها والمرابطة فيها أسوة بأجداده الذين سبقوه والمدفونين في غرفة الضريح الواقع في الطابق الأرضي للمدرسة، نذكر منهم (20): جدهم الأكبر ضياء الدين محمد أبو عيسى الهكاري والشيخ عبد الرحيم الإمام وكذلك الشيخ محمد شمس الدين الإمام وغيرهم .


الرواق الغربي

وهو الذي يقوم في الجهة الغربية للحرم الشريف ممتداً من الشمال (باب الغوانمة) إلى الجنوب (باب المغاربة)، والذي يتألف من سلسلة عقود حجرية أقيمت على دعامات حجرية متتابعة، غطيت بسلسلة من الأقبية المتقاطعة، والذي تخللها أبواب الحرم الشريف السبعة ومئذنتي باب الغوانمة وباب السلسلة .

وقد تم إنشاء هذا الرواق في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلال فترة سلطنته الثانية (698-708 هجرية/ 1299-1309 ميلادية) والثالثة (709-741 هجرية/ 1309-1340 ميلادية)، والذي قام بتعميره على فترات متتابعة ما بين (707 –737 هجرية/ 1307-1336 ميلادية)، حيث تم إنجاز القسم الأول منه (الشمالي) في سنة 707 هجرية وذلك حسب النقش التذكاري الموجود بباب الناظر (21) .

والقسم الثاني (الجنوبي) في سنة 713 هجرية/ 1313 ميلادية وذلك حسب النقش التذكاري الموجود بباب السلسلة والذي جاء فيه ما نصه (22) :

((بسم الله الرحمن الرحيم أنشئ هذا الرواق/ في أيام مولانا السلطان الملك الناصر الدنيا/ والدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون أعز الله/ أنصاره بنظر الأمير شرف الدين موسى بن حسن الهدباني في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة)) .

وأما القسم الأوسط فقد تم إنشاؤه في سنة 737 هجرية/ 1336 ميلادية وهو تاريخ إنشاء باب القطانين (23) الذي هو جزء لا يتجزأ من القسم الأوسط من الرواق .

ومن الجدير بالإشارة إلى أنه قد جرى على الرواق الغربي بكامله ترميمات وإصلاحات عديدة في الفترة العثمانية .

وتقوم في الرواق الغربي فضلاً عن الأبواب والمآذن، خمس من المدارس الدينية والتي جاءت على الترتيب من الشمال إلى الجنوب كالآتي: (24)

1) المدرسة المنجقية: (دليل الموقع – 25)

الواقعة بباب الناظر فوق الرواق الغربي للحرم الشريف والتي تم إنشاؤها على يدي الأمير سيف الدين منجك في سنة 762 هجرية/ 1361 ميلادية، وهي اليوم مقر دائرة الأوقاف الإسلامية العامة .

2) المدرسة الأرغونية: (دليل الموقع – 26)

الواقعة بباب الحديد (باب أرغون) في الرواق الغربي للحرم الشريف والتي تم إنشاؤها على يدي الأمير أرغون الكاملي في سنة 759 هجرية/ 1358 ميلادية وأكملت عمارتها على يدي الأمير ركن الدين بيبرس السيفي في نفس التاريخ، وتعرف اليوم بدار العفيفي .

3) المدرسة الخاتونية: (دليل الموقع – 27)

الواقعة إلى الجنوب من المدرسة الأرغونية، والتي أنشأتها وأوقفتها السيدة أغل خاتون بنت شمس الدين محمد بن سيف الدين القازانية البغدادية في سنة 755 هجرية/ 1354 ميلادية ثم أكلمت عمارتها على يدي السيدة أصفهان شاه بنت الأمير قزان شاه في سنة 782 هجرية/ 1380 ميلادية، وتعتبر هذه المدرسة إحدى المدارس التي أنشئت على يدي الأمراء والسلاطين في القدس والتي لم يتعدى عددها عن الثلاث مدارس، وتعرف اليوم بدار الخطيب .

4) المدرسة العثمانية: (دليل الموقع – 28)

الواقعة بباب المطهرة إلى الشمال من المدرسة الأشرفية فوق الرواق الغربي للحرم الشريف والتي تم إنشاؤها ووقفها على يدي السيدة أصفهان شاه خاتون ابنة الأمير محمد الشهيرة بخاتم وذلك في سنة 840 هجرية/ 1437 ميلادية، وتعرف اليوم بدار الفتياني .

هذا وقد ارتأينا أن نعرض المدرسة الأشرفية كنموذجاً للمدارس الواقعة في الرواق الغربي للحرم الشريف، وذلك لما احتوته من زخم معماري وزخرفي الذي جاء ليعكس تطور العمارة المملوكية في القدس .

المدرسة الأشرفية: (دليل الموقع – 29)

لقد وصفت المدرسة الأشرفية بالجوهرة الثالثة في الحرم الشريف، بعد قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك .

تقع المدرسة الأشرفية في الرواق الغربي للحرم الشريف بين بابي السلسلة والمطهرة، حيث يدخل إليها من خلال مدخلها الرئيسي الواقع في الطرف الجنوبي لها والذي تتقدمه قوصرة أو سقيفة ما زالت تبهر الزائرين بعناصرها وزخارفها المعمارية .

يتألف مبنى المدرسة الأشرفية من طابقين: الأرضي والأول، حيث يتكون الطابق الأرضي من المدخل الرئيسي والسقيفة التي تتقدمه والدركاه المؤدية إلى السلم الحجري الذي يتوصل بواسطته إلى الطابق الأول، والقاعة الرئيسية التي فتح في كل من جهتيها الشمالية والشرقية باباً يؤدي إلى ساحة الحرم الشريف، ويقوم إلى الغرب من هذه القاعة وعلى صف واحد أربع من الغرف الصغيرة، ويستخدم الطابق الأرضي جميعه اليوم كمقر لمكتبة المسجد الأقصى المبارك .

وأما الطابق الأول فيتوصل إليه من خلال السلم الحجري المؤدي إلى ساحة مستطيلة الشكل (تقوم فوق المدرسة البادية) والتي تتقدم المدخل الذي كان يؤدي إلى الطابق الأول، حيث نشاهد اليوم بقايا معمارية تشير إلى عناصر هذا المدخل الذي تهدم وأغلق بصورة عشوائية في فترة لاحقة .

ومن خلال البقايا الأثرية والمعمارية للطابق الأول والتي بقيت بعد تهدم المدرسة جراء هزة أرضية عنيفة حدثت في فترة لاحقة يتضح لنا أنه كان يتألف من أربعة أواوين (جمع إيوان) يتوسطها صحناً مفتوحاً (فناء): الإيوان الجنوبي وهو أكبرها وقد توسط في جداره القبلي محراب جميل، والإيوان الشمالي والإيوان الشرقي الذي يطل على ساحة الحرم الشريف والإيوان الغربي المقابل له في الجهة الغربية .

هذا وقد جاء وصف الطابق الأول عند مجير الدين بما نصه (25) :

(( .. وعند انتهاء السلم باب يدخل منه إلى باحة سماوية مفروشة الأرض بالبلاط الأبيض (المقصود المستطيلة الشكل) ، ويصدر هذه الساحة من جهة الشمال باب مربع يدخل منه إلى دركاه لطيفة بها عن يمنة الداخل دهليز (ما زال باقياً) يتوصل منه إلى المدرسة (المقصود الطابق الأول). وهذه المدرسة العلوية (هي الطابق الأول من المدرسة الأشرفية) تشمل على أربعة أواوين متقابلة: القبلي منها وهو الأكبر بصدره محراب وبجانب المحراب من جهة الشرق شباكان مطلان على المسجد الشريف (أي المسجد الأقصى المبارك) ومن جهة الغرب شباكان مطلان على السلم المتوصل منه إلى المدرسة (أي الطابق الأول) وبالإيوان المذكور من جهة الشرق ثلاثة شبابيك مطلة على المسجد (المقصود الحرم الشريف) إلى جهة صحن الصخرة الشريفة ويقابلها ثلاثة شبابيك على صحن المدرسة .

والإيوان الشمالي به شباكان مطلان على المسجد الشريف (أي ساحة الحرم الشريف) من جهة الشمال وشباكان من جهة الشرق .

والإيوان الشرقي، به ثلاثة قناطر على عمودين من الرخام وعلوها قميات من الزجاج الإفرنجي في غاية البهجة والإتقان .

ويقابله الإيوان الغربي وبه شباك مطل على صحن المدرسة، مفروش أرض جميع ذلك بالرخام الملون وحيطان ذلك مستدير عليها الرخام والسقف على جميع ذلك من الخشب المدهون بورق الذهب واللازورد وهو في غاية الإحكام والإتقان والارتفاع .

… وبالمدرسة المشار إليها من آلات البسط والقناديل ما هو في غاية الحسن مما لا يوجد في  غيرها، وعلى ظاهرها (أي سطحها الخارجي) الرصاص المحكم كظاهر المسجد الأقصى الشريف .

ومن أعظم محاسنها كونها في هذه البقعة الشريفة ولو بنيت في غير ذلك المحل لم يكن عليها الرونق الموجود عليها ببنائها فإن الناس كانوا يقولون قديماً: مسجد بيت المقدس به جوهرتان هما قبة الجامع الأقصى وقبة الصخرة المشرفة .

قلت: وهذه المدرسة صارت جوهرة فإنها من العجائب في حسن المنظر ولطف الهيئة والله الموفق)) .

وقد امتازت المدرسة الأشرفية بغناها بالعناصر المعمارية والزخرفية حتى غدت متحفاً في تاريخ العمارة المملوكية في القدس (راجع ما كتب عن مميزات العمارة المملوكية سابقاً)، حيث وضع المعماري المملوكي كل ما في جعبته من عناصر، في مدخلها، في مدخلها الرئيسي والسقيفة التي تتقدمه، حيث اشتملت هذه العناصر على صفوف الحجارة المشهرة (الملونة باللونين الأحمر والأبيض المتتالية) والمقرنصات الركنية المزخرفة والصنج المعشقة واللوحات الرخامية المزخرفة بالزخارف النباتية والهندسية والشريط الكتابي الذي يشير إلى تاريخ عمارتها واسم مؤسسها حيث جاء فيه ما نصه:

(( أمر بإنشاء هذه المدرسة المباركة الإمام الأعظم والملك المكرم السلطان الملك الأشرف أبو النصر قيتباي عز نصره/ وكان الفراغ من ذلك من شهر رجب سنة سبع وثمانين وثمانمائة)) .

هذا ولم يقل مستوى العناصر المعمارية والزخرفية في الطابق الأول عنه في المدخل الرئيسي، بل قل يزيد، وحسبنا الوصف الذي قدمه مجير الدين لنا والذي ذكرناه أعلاه. ومن الجدير بالإشارة هنا إلى قيام أحد الباحثين بوضع تصور للطابق الأول معتمداً على ما وصف مجير الدين بالدرجة الأولى وعمائر السلطان قايتباي بالقاهرة (26) .

تاريخ المبنى :

يعود تاريخ عمارة المدرسة الأشرفية للمرة الأولى في عهد السلطان الملك الظاهر خشقدم (865-872 هجرية/ 1461-1467 ميلادية)، وقد حال دون إتمامها وفاة السلطان خشقدم في سنة 872 هجرية (27) .

هذا ولم يكن بناء المدرسة في هيأته الحالية، وإنما كان عادياً مثل معظم المدارس المملوكية في القدس .

وعندما زار السلطان الملك الأشرف قايتباي (872-901 هجرية/ 1468-1496 ميلادية)، القدس سنة 880 هجرية والذي اشتهر بولعه بالعمارة والبناء، لم تعجبه هيئة المدرسة الخشقدمية، فأمر بهدمها وإعادة بنائها من جديد بوضع يتناسب وعظمة الحرم الشريف، حيث تم الفراغ من بنائها في سنة 887 هجرية/ 1482 ميلادية، وذلك وفق ما جاء في الشريط الكتابي المذكور أعلاه .

هذا وقد أوقف على المدرسة الأشرفية وقوفات كثيرة (28) ، اشتملت على أراض ومبان عديدة وذلك لتوفير المخصصات اللازمة للصرف عليها: فقد كان فيها ما يزيد عن (22) وظيفة، فضلاً عن إيواء وإطعام ثلاثين صوفياً دفعة واحدة. وقد لعبت المدرسة الأشرفية دوراً هاماً في تنشيط الحركة العلمية في الحرم الشريف في الفترتين المملوكية والعثمانية، (29) ، حيث اشتهر من مشايخها الشيخ شهاب الدين العميري الذي أقر على مشيختها سنة 876 هجرية، وشيخ الإسلام الكمالي أبن أبي شريف الذي عين على مشيختها سنة 880 هجرية بعد وفاة الشيخ العميري (30) .

قبة الصخرة المشرفة

 

تعتبر  قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم: ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة. ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية .

تتوسط قبة الصخرة المشرفة تقريباً ساحة الحرم الشريف، حيث تقوم على فناء (صحن) يرتفع عن مستوى ساحة الحرم حوالي 4م، ويتوصل إليها من خلال البوائك (القناطر) التي تحيط بها من جهاتها الأربع .

بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/ 691م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس (1) .

وقد وضع تصميم مخطط قبة الصخرة المشرفة على أسس هندسية دقيقة ومتناسقة تدل على مدى إبداع العقلية الهندسية الإسلامية، حيث اعتمد المهندس المسلم في تصميم هيكلها وبنائها على ثلاث دوائر هندسية ترجمت بعناصر معمارية لتشكل فيما بعد هذا المعلم والصرح الإسلامي العظيم. وما العناصر المعمارية الثلاثة التي جاءت محصلة تقاطع مربعين متساويين فهي: القبة التي تغطي الصخرة وتحيط بها، وتثمينتين داخلية وخارجية تحيطان بالقبة نتج فيما بينهما رواق داخلي على شكل ثماني الأضلاع (2) . (أنظر لوحة رقم 1،2) .

فأما القبة التي جاءت بمثابة الدائرة المركزية التي تحيط بالصخرة فإنها تجلس على رقبة تقوم على أربع دعامات حجرية (عرض كل منها ثلاثة أمتار) واثنين عشر عموداً مكسوة بالرخام المعرق، تحيط بالصخرة بشكل دائري ومنسق بحيث يتخلل كل دعاة حجرية ثلاثة أعمدة رخامية. وتتكون القبة من طبقتين خشبيتين داخلية وخارجية وقد نصبتا على إطار خشبي يعلو رقبة القبة. كما زينت القبة من الداخل بالزخارف الجصية المذهبة، وأما من الخارج فقد صفحت بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب .

وأما رقبة القبة فقد زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية البديعة، كما فتح فيها ست عشرة نافذة لغرضي الإنارة والتهوية .

وأما التثمينة الداخلية فتحتوي على ثماني دعامات حجرية يتخللها بين كل دعامة وأخرى عمودان من الرخام تعلوها عقود نصف دائرية متصلة ببعضها البعض بواسطة جسور خشبية مزخرفة، حيث زينت هذه العقود بالزخارف الفسيفسائية المطلية بالذهب .

وأما التثمينة الخارجية فتتألف من ثماني واجهات حجرية، فتح في أربع منها المقابلة للجهات الأربع باب، كما فتح من كل واجهة منها خمسة شبابيك. وقد كسيت الواجهات من الداخل بالبلاط الرخامي الأبيض.

وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض. وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض والقسم العلوي بالقاشاني، علماً بأنها كانت مكسوة بالفسيفساء المزخرفة في الفترة الأموية (3) . وكما تم تغطية سقفي الرواقين الممتدين من التثمينة الخارجية وحتى القبة بجمالونات خشبية صفحت من الداخل بألواح خشب دهنت وزخرفت بأشكال مختلفة، وأما من الخارج فقد صفحت بألواح من الرصاص .

وأما القياسات الهندسية لأبعاد القبة فقد جاءت على النحو التالي:

قطر القبة الداخلي (29,44م) وارتفاع رقبتها (9,8م). قطر المبنى بشكل عام (52م) وارتفاعه (54م) وأما أضلاع المثمن فيبلغ طول كل منها (20,60م) على ارتفاع (9,5). علماً بأن أبعاد الصخرة المشرفة نفسها (17,70م و 13,50م) (4) . ويقوم أسفل الصخرة المشرفة كهف صغير يعرف بالمغارة، مربع الشكل تقريباً (4,5 م2) ومتوسط ارتفاعه 3 م. وقد أقيم في جهته القبلية محرابان، أحدهما وهو الواقع في الجانب الشرقي للمغارة يعود إلى تاريخه للفترة الأموية والثاني في الجانب الغربي لها والذي يعود تاريخه لفترات متأخرة .

تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة

الأمويون هم من بنى قبة الصخرة

لقد بات معروفاً تماماً أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام 76هـ/ 691م أي في فترة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، وذلك حسب النص المادي والموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي الأموي والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها (5) .

يقول النص (( .. بنى هذه القبة عبدالله الإمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ..)) وهنا لا للقارئ أن يتساءل كيف تداخل اسم "المأمون" الخليفة العباسي (198-218 هـ/ 813 – 833م) مع التاريخ 72 هـ .

والجواب هنا أنه أثناء أعمال الترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي المأمون، قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبد الملك الخليفة الأموي مؤسس وباني قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسي أن يغير التاريخ حيث تم اكتشاف الأمر بسهولة، ولا نظن هنا أنه كان للمأمون رياً في هذا الأمر، وإنما جاء من قبيل الصدفة على يدي أحد الصناع .

ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعب القبول به: ذلك أن التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلى الفترة الأموية (6) وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية (7) من نصوص تؤكد أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء هذه القبة وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين .

فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري، والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام الإمبراطوريتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت .

وهذا يقودنا إلى السؤال عن السبب الكامن خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة والعظمة، فمما لا شك فيه أن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدة الإسلامية لما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والروايات التاريخية المنقحة، فلولا وجود هذه الصخرة كرمز ديني إسلامي ارتبطت بمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها .

وهذا يجعلنا نستبعد التبرير السياسي الذي أورده اليعقوبي (8) ، واتهم فيه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعاً في ذلك مبايعة الحجاج لعبدالله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر من تشويه صورتها أمام الخلافة العباسية .

فليس من المنطق إذن أن نقبل رواية مدسوسة على الخليفة الذي حكم فترة تزيد عن العشرين سنة وعرف عنه خلالها الحزم والحكمة السياسية وقوة الإرادة وبعد النظر والاهتمام بالعقيدة الإسلامية، فكيف يعقل لخليفة في مثل هذه الصفات وصاحب تاريخ عظيم، أن يقدم على التلاعب بركن من أركان الإسلام (الحج) بهذه البساطة التي يرويها اليعقوبي .

ولكننا نتساءل هل كان ضرورياً أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان يستطيع أن يبنيها بشكل أبسط وغير مكلف، ولكن إذا أمعنا النظر بالظروف التي أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبة وحللناها نجد أنه كان لا بد لأمير المؤمنين الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبني هذه القبة بهذا الشكل لإظهار عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظميين الفرس والروم. ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، كان السكان في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات، ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤية الحضارة البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسة القيامة في القدس الشريف وكنيسة المهد في بيت لحم (9). فما كان للخليفة الأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة محاكياً فيها العمارة البيزنطية ليبين ويثبت للسكان مدى وقوة الدولة الإسلامية الجديدة .

وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام 985م حينما وضحه أثناء مناقشته مع عمه (البناء) بخصوص العمارة الأموية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصه على لسان عمه (10) ((.. ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة (القيامة) وهيئتها خشي أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى ..)) .



المسلمون والمحافظة على قبة الصخرة

وقد اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية مثل الهزات الأرضية، والعواصف والأمطار والحرائق. فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها .

العباسيون

إن ما شاع عن العباسيين أنهم لم يهتموا بالحرم الشريف وعمارته ليس صحيحاً، فقد أشرنا سابقاً إلى أنهم حافظوا قدر استطاعتهم على عمارته، ولكن على ما يبدو دون تغيير ملموس في ذلك الطابع المعماري الذي نفذه الأمويون، فقد قام الخليفتان المنصور والمهدي بترميم المسجد الأقصى المبارك بعد الخراب الذي أصابه جراء الهزات الأرضية التي حدثت في تلك الفترات والذي سنأتي على شرحه لاحقاً .

ففي سنة 216هـ/ 831م، زار الخليفة العباسي المأمون (198-218 هـ/ 813 – 833م) بيت المقدس وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب فلساً يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك .

وفي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (295 –320/ 908 – 932م)، في سنة 301 هجرية/ 913 ميلادية، تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة اشتملت على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه (11) :

بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى وثلثماية)) .

الفاطميون

وفي الفترة الفاطمية تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة 407 هـ/ 1016 م، والتي أدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة (12)، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة (13) .

الاحتلال الصليبي

لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي .

فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 1099م، قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم/ Temple Domini (14)، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحاً ووضعوا فيها الصور والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة .

ومن الطريف بالأمر أن قساوسة ذلك الوقت اعتادوا على المتاجرة بأجزاء من الصخرة، كانوا يقتطعوها من الصخرة ليبيعوها للحجاج والزوار ليعودوا بهذه القطع إلى بلادهم بحجة التبرك والتيمن بها. وعلى ما يبدو أنها كانت تجارة رابحة جداً للقساوسة، حيث كانون يبيعون تلك القطع بوزنها ذهباً، الأمر الذي حدا بملوك الفرنج إلى كسوة الصخرة بالرخام وإحاطتها بحاجز حديدي مشبك لحمايتها والإبقاء عليها خوفاً من زوالها إذا استمر القساوسة بهذه التجارة (15) .

الأيوبيون

ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاح الدين (564 – 589 هجرية/ 1169-1193 ميلادية) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة 583هجرية/ 1187 ميلادية (16) .

وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كان عالقاً بها، حيث قام صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه (17) : ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة)) .

هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة (18) .

وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادر التاريخية (19) إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هجرية/ 1193-1198ميلادية)، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة (20) لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون .

المماليك

وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (658 – 676هجرية/ 1260 – 1277ميلادية) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هجرية/ 1270 ميلادية (21) .

أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709 –741هجرية/ 1309-1340 ميلادية) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان ابن قلاوون بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في سنة 718 هجرية/ 1318 ميلادية) وذلك حسب ما ورد بالشريط الكتابي الموجود في أعلى رقبة الداخلية حيث جاء ما نصه (22) ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاوون تغمده الله برحمته. وذلك في سنة ثمان عشرة وسبع مائة)). وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها .

وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى (784-791هجرية/ 1382 –1389ميلادية)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في سنة 789هجرية/ 1387ميلادية) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد في النص التذكاري الموجود عليها (23) .

وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هجرية/ 1438 – 1453ميلادية)، تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة (24) .

وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم السلاطين برصد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك الأشرف برسباي (825-841هجرية/ 1422-1437ميلادية)، قد أمر بشراء الضياع والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة، حيث جاء في النص الوقفي ما نصه (25) : ((جدده وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين أثابه الله الجنة وهو مشتراه مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر ألفا درهم خارجاً عن تكملة جوامك المستحقين وما جدده وأنشأه من الحمام الخراب بحارة حواصل قرية العوجاء والنويعمة بالغور ومرتب الجرجان الواردين تمامه وأن يصرف جميع متحصل ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة مهما حصل من ذلك يرصد حاصلاً لصندوق الصخرة المشرفة أرصد ذلك جميعه برسم العمارة خاصة إرصاداً صحيحاً شرعياً بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه أعلاه ورسم أن ينقش ذلك في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على مستمرة الدوام الشهور والأعوام فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ومضاف إلى ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فضل هذا الخير وكان سبب فيه جازه الجنة والنعيم ومن غيره أو نقصه جازه العذاب الأليم في الدنيا والآخرة)) .

العثمانيون

نستطيع القول أن تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة قد دخل مرحلة جديدة وطويلة في الفترة العثمانية التي استمرت أربعة قرون، حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت (26) .

فكان أول سلاطين العثمانيين الذين اهتموا بقبة الصخرة ورعايتها، هو السلطان سليمان القانوني (926-974هجرية/ 1520-1566ميلادية)، الذي استطاع أن يصبغ قبة الصخرة بالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري (27) الموجود فوق الباب الشمالي لقبة الصخرة والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزجج والملون في سنة 959هجرية/ 1552ميلادية، مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالاً فائقين من الخارج كما هي من الداخل .

كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبة القبة وذلك في سنة 945هجرية/ 1538ميلادية .

ولقد حرص سلاطين العثمانيين بشدة خلال فترات توليهم الطويلة على استمرارية الحفاظ على مسجد قبة الصخرة، حتى أنهم قاموا بتشكيل لجنة لتختص بشؤون إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى، تألفت من شيخ الحرم وأمين البناء وأمين الدفتر (28) .

ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلك التي أنجزت في عهدي السلطانين عبد المجيد الأول (1255-1277 هجرية/ 1839-1861ميلادية)، والسلطان عبدالعزيز (1277-1293هجرية/ 1861-1876ميلادية)، حيث تم إنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، حيث استدعي خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبة وزخارفها من الداخل والخارج (29) .

وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327 هجرية/ 1876-1909ميلادية)، تم كتابة سورة (يس) الموجودة حالياً في أعلى واجهات التثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميد بفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمين (30) .

ومن الجدير بالإشارة إلى القبة الصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت في الفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخ المقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه (31) (.. وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسر القديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي ويحتفل القوم بها مرة في كل سنة، .. في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان..)) .

المجلس الإسلامي الأعلى

هذا وقد أخذ المجلس الإسلامي الأعلى على عاتقه مسؤولية الحفاظ على قبة الصخرة المشرفة، حيث قام في الفترة ما بين 1936-1948م، بأعمال الترميم اللازمة والضرورية فيها مستعيناً بالخبراء والمختصين في هذا المجال(32).

وقد استمرت الترميمات في العهد الأردني، حيث سنت الحكومة الأردنية في سنة 1954م، قانون أسمته (قانون إعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة لسنة 1954م)، خولت فيه مجلس الوزراء تعيين لجنة لإعمار المسجدين. ومنذ ذلك الحين وحتى هذا اليوم واللجنة تقوم بمسؤولياتها تجاه إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة (33) .



زخارف قبة الصخرة المشرفة

لقد استطاع الفنان المسلم أن يزين ويحلي قبة الصخرة المشرفة بعدة أنواع من الزخارف، نذكر أهمها: الزخارف الفسيفسائية، الزخارف الرخامية، الزخارف الخشبية، الزخارف القاشانية والخطوط كعنصر زخرفي إلى جانب وظائفه التوثيقية .

أما الزخارف الفسيفسائية والتي تعرف بالفسيفساء فهي عبارة عن قطع زجاجية ملونة ذهبية تميل في شكلها إلى المربعات الصغيرة، حيث اشتهرت كعنصر زخرفي في تجميل العمائر الهندسية في العصر البيزنطي والعصر الأموي.

ويعود تاريخ فسيفساء قبة الصخرة المشرفة إلى الفترة الأموية – فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة. حيث استخدم الفنان المسلم الفسيفساء ليضفي جمالاً أخّاذاً وبريقاً لماعاً، بتغطيته المساحات الواسعة المرئية والتي لم يقم بتغطيتها بالفسيفساء لبدت للناظر جوفاء ومملة .

وقد وزع الفنان المسلم هذه المساحات في ست مجموعات (34) :

الوجه الخارجي للتثمينة الداخلية .

الوجه الداخلي للتثمينة الداخلية .

بطنيات العقود الواقعة في التثمينة الداخلية .

رقبة القبة من الخارج .

رقبة القبة من الداخل .

المساحات الواقعة ما بين الشبابيك في القمس العلوي من رقبة القبة .

وقد اختار الفنان المسلم ثلاثة ألوان رئيسية ليستخدمها في نسج زخارفه الفسيفسائية هذه، حيث اشتملت الألوان على الأخضر والأزرق والمذهب (اللون الذهبي)، إضافة إلى ألوان أخرى ثانوية .

وقد استطاع هذه الفنان أن يجسد روح العقيدة الإسلامية من خلال تصميماته للوحات الفسيفسائية هذه، فكان لزاماً عليه أن لا يجسد أي تصوير لإنسان أو حيوان وذلك تماشياً مع الإسلام الذي يحرم تجسيد الأشخاص والحيوانات، فاستعاض بذلك بعناصر زخرفية أهمها النباتات والأشجار والفواكه والأوراق النباتية مختلفة الأنواع والأشكال وورق الأكانشس والمجوهرات بجميع أنواعها والمزاهر (المزهريات) والأشكال الهندسية والخط، جاءت كلها لتكون مواضيع الرسالة التي أراد الفنان إبراقها للناظرين إليها والمتمعنين بها .

فأما النباتات (35) فقد اشتملت على أشجار مختلفة الأنواع كالنخيل والزيتون والرمان والتين واللوز وثمار أخرى مختلفة ألوانه، وفواكه متنوعة وموضوعة في سلال أو صحون وكذلك عروق النباتات التي فاضت من المزاهر، تلك المزهريات (جمع مزهرية) التي زينت أجسامها بمختلف المجوهرات والحلي مثل العقود والأساور والتيجان والأقراط والأهلة والنجوم، المفصصة جميعها بالأحجار الكريمة والثمينة مثل اللؤلؤ (الذي نراه باللون الفضي البراق) وغيرها، حيث ظهرت هذه العناصر في وجهي التثمينة الداخلية من الداخل والخارج .

وكأن الفنان يريد أن يذكرنا بتصويراته هذه، الأشياء الموجودة في الجنة التي وعد الله بها المؤمنين والتي تم وصفها في القرآن الكريم (36) وجاء فيها من أشجار وثمار مختلفة الألوان ومجوهرات ثمينة وقصور .. الخ .

كما أنه ركز على تصوير التاج بصورة مكررة، والذي صممه بشكليه البيزنطي الذي يظهر في الوجه الداخلي للتثمينة الداخلية، والساساني (الفارسي) المعروف بالتاج ذي الأجنحة والذي يظهر في القبة من الداخل. وكأن الفنان أراد هنا أن يذكر بنصر الإسلام (الدولة الإسلامية) على القوتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت فرمز إليهما بتيجانيهما والتي تشير إلى السلطة والملكية (37) .

أما العنصر الثالث الذي استخدمه الفنان المسلم في تصميم لوحاته الفسيفسائية، فهو الخط، حيث قام بعمل زنّارين بطول 240 م2 (38)، يقومان أعلى التثمينة الداخلية من الداخل والخارج، زينهما بكتابات بالخط الكوفي البسيط والمعمولة بالفسيفساء المذهبة على خلفية (أرضية) زرقاء .

إن أهمية استخدام هذا العنصر تكمن في قدمها، حيث تعتبر أقدم كتابة توثيقية لمعلم حضاري يعود تاريخه للفترة الأموية (72هجرية/ 691 ميلادية) من جهة، وأما من جهة أخرى فإن مضمون ما جاءت من آيات قرآنية فيها ليعكس أهمية الرسالة التي أراد الفنان المسلم أن يوصلها للناظرين في ذلك الوقت، حيث اختار نصوص آيات من القرآن الكريم الدالة على وحدانية الله سبحانه وتعالى والتي نجدها في سورة الإخلاص، وما تيسر من سورة مريم التي تذكر سيدنا عيسى عليه السلام، مبيناً مكانته في الإسلام كرد على ما جاء في النصرانية من معتقدات مثل الثالوث النصراني (الأب والابن والروح القدس) التي كانت شائعة في ذلك الوقت وحتى يومنا الحاضر، فقد كان هذا الصراع العقائدي في أوجه في الفترة الأموية حتى أن الأمويين اهتموا به وردوا عليه من خلال الآيات القرآنية التي تدل عليه، ومن خلال الركن الأول من أركان  الإسلام ألا وهو الشهادتان، (لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله)، حيث إنهم كرروا هذا الركن في معظم أمورهم المادية، فهم أول من عربوا النقود الإسلامية (السكة) ضاربين على وجهي الدينار والفلس سورة الإخلاص، وعلى ظهريهما الشهادتين مركزين في ذلك على جوهر العقيدة الإسلامية، أما النصوص المادية للكتابات التي زينت التثمينة الداخلية من الداخل والخارج فهي:

ما كتب في الوجه الخارجي للتثمينة (39) :
   * (الضلع الشمالي للمثمن) : ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحداً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .   * الضلع الشمالي الغربي : ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله إن الله وملائكته يصلون على النبي)) .   * الضلع الغربي المثمن : (( يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً – زخرفة وردية – بسم الله الرحمن الرحيم .. لا إله إلا الله وحده لله الحمد )) .   * الضلع الشمالي الغربي : ((لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً محمد رسول ا)) .   * الضلع الشمالي للمثمن: ((لله صلى الله عليه وملائكته ورسله والتسليم عليه ورحمت الله – زخرفة وردية – بسم الله الرحمن الرحيم لا إلا الله وحده لا شريك له)) .   * الضلع الشمالي الشرقي: ((له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقبل شفاعته يوم القيامة في أمته)) .   * الضلع الشرقي للمثمن : ((بسم الله الرحمن الرحيم إلا إله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم – زخرفة وردية – بنى هذه القبة عبدالله عبد)) .   * الضلع الجنوبي الشرقي : ((/الله الإمام المأمون أمير/ المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ورضي عنه آمين رب العالمين والحمد لله)) .


ما كتب في الوجه الداخلي للتثمينة (40) :
   * الضلع الجنوبي للمثمن: ((بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله وحده لا شريك له وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير محمد رسول الله)).   * الضلع الجنوبي الشرقي : ((إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً صلى الله عليه والسلام عليه ورحمة الله يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا)) .   * الضلع الشرقي للمثمن : ((تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم)) .   * الضلع الشمالي الشرقي: (( إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله)) .   * الضلع الشمالي للمثمن: ((ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً اللهم صلى على رسولك وعبدك عيسى ابن مريم)) .   * الضلع الشمالي الغربي: ((والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً)) .   * الضلع الغربي للمثمن: ((فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم أن)) .   * الضلع الشمالي الغربي: ((الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب)) .


الزخارف الرخامية

لقد استخدم الفنان المسلم المادة الرخامية في زخرفة قبة الصخرة المشرفة بشكل ملفت للنظر، حيث استخدمها في الأعمدة وتيجانها وفي تكسية الواجهات الداخلية والخارجية للتثمينة الخارجية وكذلك في تكسية الدعامات الحجرية، ولكن ثمة عنصر آخر شكله من المادة الرخامية أيضاً وهو الأفاريز الرخامية (الإطارات) التي علت الدعامات الحجرية المكسية بالرخام، وكذلك الواجهات الداخلية للتثمينة الخارجية، حيث جاءت هذه الأفاريز الرخامية المحفورة والمزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، متجانسة إلى حد كبير مع الزخارف الفسيفسائية من ناحية ألوانها وموضوعات زخرفتها. وقد عرف أسلوب عمل هذه الأفاريز الرخامية باسم (Champelve) (41)، حيث اشتهر في العصرين البيزنطي والأموي. وأن جميع هذه الأفاريز الرخامية الموجودة في قبة الصخرة المشرفة، لتعود إلى الفترة الأموية متزامنة مع تاريخ بنائها سنة 72هجرية/ 691 ميلادية .

ويجدر الإشارة أيضاً إلى الزخارف الخشبية التي جاءت أيضاً متجانسة في عناصرها وموضوعاتها مع الزخارف الفسيفسائية والرخامية في قبة الصخرة المشرفة .

الزخارف القاشانية (42) :

القاشاني هو ذلك الأجر المزجج والملون والذي يعرف في بلادنا بالبلاط الصيني. وقد استخدم لأول مرة في عمارة قبة الصخرة المشرفة في عهد السلطان العثماني سليمان القانوني الذي قام باستبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية منذ العهد الأموي، بالبلاط القاشاني المزجج والملون وذلك في سنة 959هجرية/ 1552 ميلادية .

وقد عرف بالبلاط القاشاني نسبة إلى مدينة قاشان الواقعة في خراسان في بلاد فارس، حيث كان في بادئ الأمر يصنع في هذه المدينة وينقل بعد ذلك إلى البلاد المراد استخدامه فيها .

وإن القاشاني الذي استخدم في عمارة قبة الصخرة في عهد السلطان سليمان القانوني، كان قد صنع في قاشان ومن ثم نقل إلى القدس .

ولكن ما لبثت هذه الصناعة أن انتقلت في نهاية القرن السادس عشر إلى القدس وذلك عن طريق استقطاب صنّاع مهرة من بلاد فارس ليقوموا بتصنيع البلاط في القدس نفسها، فقد تعلمها الكثير من صنّاع أهل الشام وفلسطين فنقلوها إلى بلاد الشام بسرعة فائقة، حتى غدا هذا الفن منتشراً ومشهوراً في القرنين السابع والثامن عشر الميلادي في بلاد الشام .

وقد استطاع الفنان المسلم أن يجسد روح العقيدة الإسلامية أيضاً في هذا العصر الزخرفي وذلك باستخدامه مواضع مشابهة لتلك الموجودة في الزخارف الفسيفسائية بالداخل والتي تمثلت بالعناصر النباتية والهندسية والخط الإسلامي .


صحن قبة الصخرة المشرفة

المقصود بصحن قبة الصخرة هو الساحة الخارجية أو الباحة التي تحيط بمبنى قبة الصخرة، والتي ترتفع عن أرضية الحرم الشريف 12 قدم (4م). ويتوصل إليها عن طريق مراق (درج)، توجت بقناطر حجرية تتألف من مجموعة عقود حجرية تقوم على أعمدة رخامية عرفت باسم "الموازين". وقد أشار المقدسي إلى وجود أربع مراق في صحن الصخرة، حيث يقول في وصفه للمسجد الأقصى ما نصه (43) : ((.. والصحن مبلط – يقصد الحرم الشريف – وسطه دكة – يقصد فناء الصخرة – مثل مسجد يثري يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة ..)) وأما ابن الفقيه فقد أشار إلى وجود ست مراق تؤدي إلى صحن الصخرة .

فمن المحتمل أن تاريخ تأسيس وبناء هذه الموازين يعود للفترة الأموية حيث صممت لتفي بالغرض الجمالي والهندسي وهو مَلءُ الفراغ الموجود في صحن قبة الصخرة ليتجانس مع مخططها الهيكلي من جهة، وللغرض التوجيهي وهو الإشارة والدلالة إلى مداخلها من جهة أخرى (44) .

يبلغ عدد هذه الموازين أو القناطر أو البوائك (جمع بائكة) ثمانية، حيث مرت هذه البوائك في مراحل ترميم مختلفة تراوحت بين الصيانة والترميم إلى إعادة بنائها من جديد. وقد وزعت في جهات صحن الصخرة الأربع على النحو التالي (45) :

في الجهة الجنوبية اثنتان وهما : (صورة/ دليل الموقع 4-5) .

القنطرة الجنوبية ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري .

القنطرة الجنوبية الشرقية ويعود تاريخها إلى سنة 412 هجرية/ 1021 ميلادية.
وفي الجهة الشمالية اثنتان وهما: (صورة / دليل الموقع 5-7).

القنطرة الشمالية ويعود تاريخها إلى سنة 721 هجرية/ 1321 ميلادية.

القنطرة الشمالية الشرقية ويعود تاريخها إلى سنة 726هجرية/ 1325 ميلادية .

وفي الجهة الغربية ثلاثة وهي : (صورة / دليل الموقع 8 – 10)

القنطرة الغربية (المتوسطة) ويعود تاريخها إلى سنة 340 هجرية/ 955 ميلادية .

القنطرة الشمالية الغربية ويعود تاريخها إلى سنة 738هجرية/ 1337 ميلادية .

القنطرة الجنوبية الغربية ويعود تاريخها إلى سنة 877 هجرية/ 1472 ميلادية .

في الجهة الشرقية قنطرة واحدة وهي: (صورة /دليل الموقع 11)

القنطرة الشرقية ويعود تاريخها إلى القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي .

تقوم أيضاً على صحن الصخرة المشرفة مجموعة من القباب تعود تواريخ إلى فترات نشائها إإسلامية مختلفة ومتتابعة، كما تقوم في الجهة الشمالية لصحن قبة الصخرة مجموعة غرف صغيرة تعرف بالخلاوي (جمع خلوة) أقيمت في صف واحد، حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .

قباب الحرم الشريف

 

تقوم في ساحة الحرم الشريف عدة قباب (فضلاً عن قبة الصخرة المشرفة وقبة السلسلة وقبة المعراج)، والتي تم تعميرها في الفترات الإسلامية: الأيوبية والمملوكية والعثمانية، حيث بنيت معظمها لتكون مقراً للتدريس أو داراً للعبادة والاعتكاف أو تخليداً لذكرى حدث معين .

هذا وقد انتشرت هذه القباب في صحن قبة الصخرة وساحة الحرم الشريف. وأما القباب الواقعة في صحن قبة الصخرة فهي:

قبة السلسلة: (دليل الموقع –2)

تقوم هذه القبة إلى الشرق من قبة الصخرة المشرفة تماماً، حيث لا يتجاوز بعدها عنها بضعة من الأمتار.

بنى هذه القبة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-68 هجرية/ 685-507 ميلادية)، في نفس الفترة التي بنى فيها قبة الصخرة المشرفة (66–72 هجرية) .

تقوم القبة على رقبة مغلقة سداسية أقيمت على ستة أعمدة، حيث أحيطت هذه الأعمدة برواق مضلع يتألف من أحد عشر ضلعاً تقوم على أحد عشر عموداً رخامياً، كما وأقيم محراب في جهتها الجنوبية .

وقد سميت بقبة السلسلة على ما يبدو لوجود سلسلة كانت قد علقت بداخلها وكانت ظاهرة للعيان، حتى غدت تعرف بهذا الاسم وليس كما يروى من خرافات خيالية تصف (وجود سلسلة من نور كانت معلقة بين السماء والأرض) .

تاريخ ووظيفة المبنى:

لم يختلف المؤرخون في نسبة بناء قبة السلسلة إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث أجمع معظمهم على ذلك (1) ، ولكن الخلاف كان في سبب بنائها أو بمعنى آخر ماهية الوظيفة التي بنيت من أجلها.

وقد دارت حول ذلك آراء عديدة استطعنا أن نصنفها في ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى والتي اعتمدت في تعليل سبب بنائها على التفسيرات الدينية المقتبسة عن التوراة (الإسرائيليات)، والخرافات التي لا يتقبلها عقل ولا منطق .

والمجموعة الثانية التي نادت بأن قبة السلسلة بنيت لتستخدم كبيت للمال (الخزنة)، على غرار خزنة الجامع الأموي في دمشق، ولكن كيف لنا أن نتخيل بيتاً للمال بحالته المعمارية هذه والتي بقيت كما هي منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، مفتوحة الجوانب بدون حماية إنشائية ومعمارية تكسبها ذلك الغرض !

وأما المجموعة الثالثة، والتي برزت متأخرة نوعاً ما، جاءت بأن قبة السلسلة بنيت لتكون نموذجاً لتكون نموذجاً لقبة الصخرة المشرفة، علماً بأن النموذج (MODEL) يكون مطابقاً للمبنى الذي أنشئ من أجله، ولكننا هنا نرى تبايناً واضحاً بين مخططي قبة الصخرة وقبة السلسلة ودون الخوض في تفاصيل هذا الاختلاف، ولكننا نكتفي بالإشارة فقط إلى أن المبنى الأول ثماني الأضلاع ومغلق تمام الإغلاق أمام الثاني فهو مفتوح الجوانب ويتألف من مضلع يتكون من أحد عشر ضلعاً .

فضلاً عن أنه لم يرد في المصادر التاريخية المبكرة أية إشارة عن هذا السبب (كنموذج لقبة الصخرة)، حيث كان أول من أشار إليه هو مجير الدين (2) ، والذي يعتبر من المصادر التاريخية المتأخرة بالنسبة لتاريخ قبة السلسلة .

ولكننا على ما يبدو اليوم أمام مصدر تاريخي يذكر هذه القبة، حيث تم مؤخراً اكتشاف مخطط بعنوان (كتاب التاريخ)، يعود للقرن الثالث الهجري والذي أشار فيه مؤلفه عبد الملك بن حبيب المتوفي سنة 238 هجرية/ 852 ميلادية، بوضوح ودون أي لبس، أن عبد الملك بن مروان هو الذي بنى قبة السلسلة (3) .

وعليه: فإن هذا المصدر ليدحض الآراء القائلة بتوظيف القبة كبيت للمال كنموذج لقبة الصخرة، فلو كانت كذلك لأشار إليهما ابن حبيب في مخطوطه المذكور أعلاه .

ولكننا نميل إلى الاعتقاد بأن السبب في بناء قبة السلسلة هو لتكون مقراً للتدريس والمعماريين الذين أشرفوا على بناء قبة الصخرة المشرفة لتقيهم من حرّ الشمس في الصيف وشدة المطر في الشتاء، ذلك أن فترة بناء قبة الصخرة لم تكن قصيرة نسبياً فقد دامت ما يقارب الست سنوات (66 –72 هجرية)، ولا ضير في أن يحفظوا قسطاً من المال الذي خصص للصرف على اعمار قبة الصخرة المشرفة فيها ولكن لفترة قصيرة جداً فقط وحراستها من قبل حراس دائمين عليها، حتى يتم توزيعها على الحرفيين والبنائين والصناع الذين كانوا يعملون في بناء قبة الصخرة. وبمعنى آخر، فمن المحتمل أنها كانت تستخدم كمكتب لإدارة شؤون اعمار قبة الصخرة ذلك الصرح المعماري العظيم الذي كلف من الجهد والوقت والمال الكثير الكثير، الذي احتاج بالضرورة لمثل هذا الديوان الإداري لتنظيم شؤون إعماره حسب الأصول المرعية في ذلك الوقت .

ورب من سائل، هل كان من  الضروري أن يبنوا مقرهم هذا (قبة السلسلة) على هذا النحو المعماري المعقد. نقول لقد اختطوها كذلك ليتجانس وعظمة بناء قبة الصخرة المشرفة .

وكأننا سنقتنع أكثر في هذا الرأي عندما نعلم أن سليمان بن عبد الملك اعتاد على عقد مجالسه الإدارية في هذه القبة .

هذا وقد تم ترميم وتجديد هذه القبة في الفترتين المملوكية والعثمانية، وذلك في عهدي السلطان الملك الظاهر بيبرس (658-676 هجرية/ 160-1277 ميلادية) في سنة 661 هجرية، والسلطان سليمان القانوني (926-974 هجرية/ 1200-1218 ميلادية) في سنة 969 هجرية (4) .

قبة المعراج : (دليل الموقع – 30)

تقوم هذه القبة غربي قبة الصخرة إلى الشمال، وعلى ما يبدو التاريخ الأصلي لإنشاء هذه القبة يعود للفترات الإسلامية المبكرة، ولكننا اليوم أمام القبة التي أعيدت عمارتها في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر (596 –615 هجرية/ 1200 –1218 ميلادية) في سنة 597 هجرية، بإشراف الأمير الزنجيلي متولي القدس، وذلك حسب ما يشير إليه النقش التذكاري الذي يعلو مدخلها الرئيسي والذي جاء فيه ما نصه (5) :

((بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم وما تفعلون من خير يعلمه الله ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره/ هذه قبة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها أهل التاريخ في كتبهم تولى إظهارها بعد عدمها وعمارها بعد دثارها/ بنفسه وخاله الفقير إلى رحمة ربه الأمير الأجل الإسفهسلار الكبير الأوحد الأعز الأخص الأمين المجاهد الغازي المرابط عز الدين جمال الإسلام/ سعيد السعداء سيف أمير المؤمنين أبي عمر عثمان بن علي بن عبدالله الزنجيلي متولي القدس الشريف وذلك في شهور سنة سبع وتسعين وخمسمائة)) .

وهي قبة مثمنة الأضلاع، تقوم على ثلاثين عموداً من الرخام، وقد فتح في جهتها الشمالية باباً وأقيم في جدارها القبلي محراباً، وعلى ما يبدو أن شكل القبة لم يتغير منذ إنشائها في الفترة الأيوبية، حيث قام العمري بوصفها وصفاً مطابقاً لوصفها الحالي والذي جاء فيه (6) : (( .. بنى عليها قبة مثمنة، تسمى قبة المعراج. بابها يفتح للشمال، يظاهر القبة المذكورة حاملاً لأركانه من الأعمدة الرخام الأبيض ثلاثون عموداً.. والتثمينة التي بين الأعمدة ملبسة ألواح رخام ملكي مشجرة بأزرق. يصعد إلى بابها بثلاث درج رخام ثم ينزل إلى داخلها بمثلهن ..)) .

قبة النبي : (دليل الموقع – 31)

تقوم هذه القبة بين قبتي الصخرة والمعراج، ويقال أنها بنيت في الموقع الذي صلى النبي عليه السلام فيه بالأنبياء والملائكة، ومن المحتمل أن التاريخ الأصلي لإنشاء هذه القبة يعود للفترات الإسلامية المبكرة .

ولكننا اليوم أمام تلك القبة المحمولة على أعمدة من الرخام والمفتوحة الجوانب، والتي أعيد تعميرها في الفترة العثمانية في عهد السلطان عبد المجيد الأول (1255-1277 هجرية/ 1839-1861 ميلادية) في سنة 1261 هجرية .

وقد بنيت هذه القبة فوق المحراب الذي أنشئ أيضاً في الفترة العثمانية، في عهد السلطان سليمان القانوني (926-974 هجرية/ 1200-1218 ميلادية) في سنة 945 هجرية، على يدي الأمير محمد بك والي غزة والقدس الشريف، وذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في القبة والذي جاء فيه ما نصه: ((أنشأ هذا المحراب المبارك مولانا الأمير الكبير محمد بك صاحب لواء غزة وقدس شريف زيد قدرهما بتاريخ سنة 945 هجرية)) (7).

القبة النحوية: (دليل الموقع –32)

تقوم هذه القبة في الزاوية الجنوبية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة، وقد تم تعميرها في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك المعظم عيسى في سنة 604 هجرية/ 1207 ميلادية، خصيصاً لتكون مقراً لتعليم علوم اللغة العربية فقد عرف عن المعظم عيسى مدى ولعه وحبه باللغة العربية. ذلك وفق ما جاء بالنقش التذكاري الموجود في داخل القبة والذي جاء فيه ما نصه (8) :

((بسم الله الرحمن الرحيم/ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك/ جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً/ أمر بإنشاء هذه القبة المباركة وما يليها من العمارة/ مولانا السلطان الملك العظيم شرف الدنيا والدين أبو النصر/ عيسى ولد مولانا الملك العادل سيف الدين سلطان الإسلام/ والمسلمين أبو بكر بن أيوب أعز الله أنصارهما وجرى ذلك على يد/ عبده الراجي عفو ربه الأمير حسام الدين أبي سعد قيماز بن عبد الله المعظمي/ الوالي بالبيت المقدس الشريف وذلك في شهور سنة أربعة وستمائة)) .

هذا وقد لعبت المدرسة النحوية (القبة النحوية)، دوراً هاماً وفعالاً في دفع الحركة العلمية في الحرم الشريف، حيث اعتبرت معهداً متخصصاً لتدريس اللغة والنحو كما يدل عليها اسمها، منذ تأسيسها وحتى الفترة العثمانية، وقد أوقف عليها الملك المعظم وقوفات كثيرة لتفِ بسد حاجاتها والصرف عليها .

وقد اشتهر مشايخها الذين درسوا فيها (9) :

الشيخ شمس الدين بن رزين البعلبكي، وكان أول من تولى التدريس فيها، والشيخ أبو بكر بن عيسى الأنصار المقدسي المتوفي سنة 823 هجرية، والشيخ علي بن أبي بكر بن عيسى الأنصاري المقدسي المتوفي سنة 882 هجرية، والفقيه يحيى المعصراني المتوفي سنة 1083 هجرية، والشيخ عبد المعطي الخليل الشافعي المتوفي سنة 1154 هجرية.

ويتألف مبنى القبة الحالي من غرفتين وقاعة مستطيلة الشكل، حيث يدخل إليها من مدخلها الرئيسي الواقع في واجهتها الشمالية والذي زين بزخارف هندسية ونباتية، وكذلك بالأعمدة الرخامية الملفوفة أو المثعبنة والتي شاعت في الفترتين الصليبية والأيوبية .

قبة يوسف : (دليل الموقع – 33)

تقوم هذه القبة بين القبة النحوية ومنبر برهان الدين في الجهة الجنوبية لصحن قبة الصخرة المشرفة. حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية  وذلك استناداً إلى الطابع المعماري التي تتمتع به القبة والنقش التذكاري الموجود في وجهتها والمؤرخ في سنة 1092 هجرية/ 1681 ميلادية .

ومن الضروري هنا التأكيد على أنه لا يوجد أية صلة أو علاقة تربط هذه القبة بالنبي يوسف عليه السلام. وإنما يوسف المنسوبة إليه القبة هو صلاح الدين الأيوبي (يوسف بن أيوب) .

فقد شاع خطأً أن يوسف المذكور بالنقش التذكاري الواقع أسفل القبة(10)، هو النبي يوسف وأن القبة بنيت تيمناً به وتخليداً لذكراه، ولكن هذا غير صحيح .

فإذا ما تمعنا بالنقش التذكاري المذكور به اسم "يوسف بن أيوب" وقرأنا نصه جيداً، نجد وببساطة أن وظيفة المبنى الموثقة بالنقش تشير إلى عمارة وحفر خندق وليس عمارة قبة! وعليه: فإن هذا النقش التذكاري ليس بمكانه الأصلي (not in sites)، فعلى ما يبدو أنه جلب على يدي العثمانيين أثناء قيامهم بإعادة ترميم وبناء سور القدس الذي كان قد حصن في الفترة الأيوبية بالخنادق (جمع خندق) والأبراج (جمع برج) للدفاع عن القدس وحمايتها من غزوات الصليبيين المتكررة، فقاموا بوضعه في مكانه الحالي هذا، ومن ثم قاموا بتنصيب هذه القبة فوقه، تكريماً للقائد المجاهد صلاح الدين يوسف بن أيوب محرر القدس من الصليبيين، وتخليداً لذكراه الطيبة .

قبة الشيخ الخليلي: (دليل الموقع – 35)

تقوم هذه القبة في الزاوية الشمالية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة، وهي معروفة أيضاً بقبة بخ بخ، حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية في سنة 1112 هجرية/ 1700 ميلادية .

ويتألف مبنى القبة من غرفة مستطيلة الشكل، يدخل إليها من خلال مدخلها الواقع في جدارها الشرقي، وفي داخلها كهف أقيم فيه محراب .

وقد استخدمت هذه القبة كدار للعبادة والتصوف، حيث اتخذها الشيخ الخليل كمقر له لقراءة الأوراد (الأدعية الصوفية) والاعتكاف بها (11) .

هذا وتقوم أيضاً في صحن قبة الصخرة قبة الخضر، وقبة الأرواح، واللتان أنشئتا في الفترة العثمانية .

وأما القباب الواقعة في ساحة الحرم الشريف فهي:

قبة سليمان : (دليل الموقع – 36)

تقوم هذه القبة مقابل باب العتم في الجهة الشمالية لساحة الحرم الشريف. وهي قبة مثمنة الأضلاع، محمولة على أربعة وعشرين عموداً رخامياً، وقد فتح في جهتها الشمالية باباً وأقيم في جدارها القبلي محراباً، وعلى ما يبدو أن هيئتها أو شكلها لم يطرأ عليه أي تغيير جوهري يذكر، حيث ورد عند العمري وصفاً لها مطابقاً إلى حد ما لوضعها الحالي والذي جاء فيه (12) :

((وهذه القبة (المقصود قبة سليمان) بالجانب الشمالي من الحرم.. ويدخل من هذا الباب (أي بابها) إلى قبة مثمنة. وتتمة التثمينات مسدودة. بها أربعة وعشرون عموداً من الرخام .. وفي كل تثمينة في المسدودات أربعة أعمدة حاملة للرخامة التي في عقد القناطر .. وعلى يمنة (يمين) المصلي في المحراب صخرة صغيرة (وهي صخرة طبيعية) ..)) .

واستناداً إلى طابع القبة المعماري ومخططها الهيكلي الذي يشبه إلى حد كبير قبة المعراج التي بنيت في الفترة الأيوبية في سنة 597 هجرية، وكذلك إلى الوصف التاريخي الذي ذكره العمري: نستدل وبشكل قاطع أننا أمام قبة قد أنشئت في الفترة الأيوبية، إن لم تكن قد بنيت بنفس تاريخ قبة المعراج (597 هجرية/ 1200 ميلادية) المذكورة، فضلاً على أنه من المحتمل أن يكون تاريخ تأسيسها الأصلي يعود للفترة الأموية وذلك في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (69-99 هجرية/ 715 –717 ميلادية)، فقد نسبت إليه وعرفات باسمه (13) .

قبة أو إيوان العشاق : (دليل الموقع – 37)

تقوم هذه القبة مقابل باب العتم (إلى الجنوب الشرقي منه)، في الجهة الشمالية لساحة الحرم الشريف، وقد تم إنشاء هذا الإيوان الذي عرف لاحقاً بالقبة، في الفترة العثمانية في عهد السلطان محمود الثاني (1223-1255 هجرية/ 1808 –1839 ميلادية) في سنة 1233 هجرية وذلك وفق ما ورد في النقش التذكاري الموجود في واجهته الشمالية (14) .

وعلى ما يبدو أن هذا المكان كان ملتقى للصوفيين والزهاد والذين عرفوا بعشاق النبي عليه السلام، حتى أصبحت تعرف بقبة عشاق النبي .

قبة موسى: (دليل الموقع – 38)

تقوم هذه القبة مقابل باب السلسلة في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف. حيث تم تعميرها في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب (637-647 هجرية/ 1240-1249 ميلادية) في سنة 647 هجرية، والتي عرفت في عهده باسم قبة الشجرة، ذلك وفق ما جاء في النقش التذكاري الذي يقوم فوق مدخلها الرئيسي والذي جاء فيه ما نصه (15) :

((بسم الله الرحمن الرحيم/ هذا ما أمر بعمارة هذا المكان/ مولانا السلطان الصالح/ نجم الدنيا والدين ابن الملك/ الكامل في شهور سنة سبع وأربعين وستمائة)) .

ويتألف مبنى القبة من غرفة كبيرة مربعة الشكل تغطيها قبة نصف دائرية، يدخل لها من خلال بابها الواقع في جدارها الشمالي، وقد أقيم بجدارها القبلي محراب جميل المنظر .

هذا وقد ذكرها العمري (16) حيث وصفها وصفاً معمارياً مطابقاً لما هي عليه الآن، وتستخدم القبة اليوم كمقر لدار القرآن الكريم .

قبة يوسف آغا : (دليل الموقع – 39)

تقوم هذه القبة في الجهة الجنوبية الغربية لساحة الحرم الشريف بين المتحف الإسلامي والمسجد الأقصى المبارك. حيث تم بنائها في الفترة العثمانية في عهد السلطان محمود الرابع (1058-1099 هجرية/ 1648-1687 ميلادية)، على يدي والي القدس يوسف آغا في سنة 1092 هجرية، وذلك حسب ما ورد في النقشين الموجودين في واجهتها (17) .

ويستخدم مبنى القبة اليوم كمكتب استعلامات وبيع للتذاكر .

منبر برهان الدين : (دليل الموقع – 34)

يقوم هذا المنبر في الجهة الجنوبية لصحن الصخرة. حيث تم تعميره في الفترة المملوكية على يدي قاضي القضاة شيخ الإسلام برهان الدين بن جماعة الكناني قاضي مصر والشام وخطيب الخطباء وشيخ الشيوخ (725-790 هجرية/ 1325-1388 ميلادية) وذلك حسب ما ذكره مجير الدين الذي أشار أيضاً إلى أنه أي المنبر كان قبل ذلك يحمل على عجل (18) .

وقد استخدم هذا المنبر للخطابة والدعاء في الأعياد الإسلامية وكذلك في صلاة الاستسقاء .

ولم يعرف هذا المعلم بهذا الاسم في زمن العمري (745 هجرية/ 1345 ميلادية)، حيث ذكره باسم قبة الميزان (19) .

وقد رمم في الفترة العثمانية في عهد السلطان عبد المجيد في سنة 1259 هجرية/ 1843 ميلادية، وذلك وفق ما يشير إليه النقش التذكاري الموجود في المنبر .

ويعتبر هذا المعلم قطعة معمارية وفنية في غاية الروعة والجمال، وذلك لما احتواه من عناصر معمارية وزخرفية صنعت جميعها من الرخام وخاصة اللوحات الرخامية المزينة بالزخارف الهندسية القائمة على جانبي السلم الحجري للمنبر، والتي شاعت في العمارة المملوكية (20) .
 

أبواب الحرم الشريف

 

 تقوم في جهات الحرم الشريف الأربعة ما مجموعه خمسة عشر باباً، منها عشرة أبواب مفتوحة وزعت في جهتيه الشمالية والغربية. وخمسة مغلقة منذ الفتح الصلاحي تقوم في جهتيه الشرقية والجنوبية .

وعلى ما يبدو فإن المؤرخين الذين ذكروا أبواب الحرم الشريف قد خلطوا بين مسمياتها ومواقعها. فمنهم من ذكر بعضها ومنهم من ذكرها بصورة عشوائية وبصورة غير مرتبة حسب مواقعها الصحيحة. الأمر الذي جعل المهمة صعبة في تحديد أبواب الحرم الشريف والتي كانت قائمة في الفترات الإسلامية المبكرة. والحق يقال أن هذا الموضوع لم يعط حقه في البحث العلمي، ونأمل في المستقبل القريب أن نقوم بدراسته بصورة وافية وشاملة بإذن الله .

وقد قمنا بعمل مسح تاريخي لأبواب الحرم الشريف منذ القرن الثالث الهجري وحتى الاحتلال الصليبي، لنقف على مسمياتها ومواقعها وعددها .

فقد ذكر لنا ابن الفقيه (290هجرية/ 903 ميلادية) ثمانية أبواب حيث قال(1):

(( .. وفيه من الأبواب باب داود وباب حطة وباب النبي وباب التوبة وباب الوادي وبابي الرحمة وأبواب الأسباط وباب دار أم خالد)) .

وأما ابن عبد ربه (300 هجرية/ 913 ميلادية)، فقد ذكر لنا عشرين باباً، حيث قال (3) :

((ويدخل إلى المسجد (المقصود الحرم الشريف) من ثلاثة عشر موضعاً، بعشرين باباً: باب حطة، باب النبي، أبواب محراب مريم، بابي الرحمة، باب بركة بني إسرائيل، أبواب الأسباط، أبواب الهاشميين، باب الوليد، باب إبراهيم، باب أم خالد، باب داود)) .

وأما الرحالة الفارسي ناصر خسرو (834 هجرية/ 1047 ميلادية)، فقد أشار إلى ستة أبواب وهي كالآتي: (4)

((باب التوبة وباب الرحمة وباب النبي وباب العين وباب حطة وباب السكينة)) .

وعليه: فإن أبواب الحرم الشريف قد زادت عن العشرين باب في الفترات الإسلامية المبكرة، ولكننا لا نجد اليوم سوى الخمسة عشر باباً التي ذكرناها أعلاه، والتي على ما يبدو أنها بقيت على وضعها الحالي منذ الفترة المملوكية وحتى يومنا هذا. ذلك أنه قد طرأ عليها تغييرات عديدة جراء الهزات الأرضية والحروب المدمرة والتي تخللت العهود الإسلامية منذ الفتح الإسلامي وحتى الاحتلال الصليبي .

وأما الأبواب المفتوحة والواقعة في الجهتين الشمالية والغربية فهي كالآتي:

الأبواب الواقعة في الجهة الشمالية وهي:

1) باب الأسباط : (دليل الموقع – 49)

وهو من أبواب الحرم الشريف القديمة فقد أشير إليه في المصادر التاريخية المبكرة التي ذكرناها سابقاً. وأما الباب الحالي الذي يقوم اليوم فقد أعيد بناؤه في الفترة الأيوبية في سنة 610هجرية/ 1213 ميلادية، أثناء بناء الرواق الشمالي (5) . كما تم تجديده في الفترة المملوكية، في سنة 769 هجرية/ 1367 ميلادية .

2) باب حطة :(دليل الموقع – 50) <

وهو أيضاً من أبواب الحرم الشريف القديمة فقد تم ذكره عند ابن الفقيه وابن عبد ربه والمقدسي كما مر معنا سابقاً. ولكن بناءه الحالي يعود للفترة الأيوبية، حيث تم تجديده في سنة 617 هجرية/ 1220 ميلادية وذلك حسب النقش التذكاري الذي كان موجوداً فيه، والذي ورد فيه ما نصه(6):

((جدد هذا الباب في أيام دولة السلطان الملك العظيم شرف الدين عيسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أبوب وذلك في شهر رجب من سن سبع عشرة وستمائة)) .

3) باب العتم: (دليل الموقع – 51)

ويعرف هذا الباب أيضاً بعدة تسميات أخرى وهي باب شرف الأنبياء، وباب الدوادارية وباب فيصل. حيث أطلق عليه في زمن العمري (748 هجرية/ 1347 ميلادية) باب شرف الأنبياء وفي زمن مجير الدين (901 هجرية/ 1496 ميلادية) باب الدوادارية وفي الفترة الحديثة باب فيصل وباب العتم .

وقد تم تجديد بنائه في الفترة الأيوبية في سنة 610 هجرية/ 1213 ميلادية، متزامناً مع بناء القسم الشرقي من الرواق الشمالي .

وأما الأبواب الواقعة في الجهة الغربية فهي على الترتيب من الشمال إلى الجنوب كما يلي:

4) باب الغوانمة: (دليل الموقع – 52)

ويعرف أيضاً باسم باب درج الغوانمة وباب الخليل (7) ، ويعود تاريخ بنائه للفترة المملوكية، حيث تم تجديده في سنة 707 هجرية/ 1307 ميلادية (8).

5) باب الناظر: (دليل الموقع – 53)

وقد عرف هذا الباب في زمن العمري باسم باب الرباط المنصوري (9) ، وفي زمن مجير الدين بباب الناظر، وفي الفترة العثمانية بباب الحبس وفي الفترة الحديثة بباب المجلس (10) .

كما وتم تجديده للمرة الثانية في الفترة المملوكية أثناء أعمال البناء التي تمت في الرواق الغربي .

6) باب الحديد: (دليل الموقع – 54)

وقد عرف أيضا بباب أرغون نسبة للأمير أرغون الكاملي الذي قام بإعادة بنائه في الفترة الواقعة ما بين (755-758 هجرية/ 1354-1357 ميلادية). ومعنى كلمة أرغون بالتركية هي الحديد .

7) باب القطانين: (دليل الموقع – 55)

يعتبر هذا الباب من أكبر أبواب الحرم الشريف المملوكية، حيث قام بإنشائه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بإشراف نائبه الأمير سيف الدين تنكز الناصري (12)، في سنة 737 هجرية/ 1336 ميلادية، وذلك حسب النقش التذكاري الموجود في واجهته المطلة على ساحة الحرم الشريف والذي ورد فيه ما نصه (13) :

((بسم الله الرحمن الرحيم جدد هذا الباب المبارك في ايام مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا الدين محمد بن قلاوون بالمباشرة العالية السيفية تنكز الناصري أعز الله أنصاره في شهور سنة سبع وثلاثين وسبع مائة وصلى الله على سيدنا محمد وآله)).

8) باب المطهرة: (دليل الموقع 56)

وقد عرف هذا الباب أيضاً باسم باب السقاية (14)، نسبة للسقاية أو المتوضأ التي أقيمت في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب في سنة 589 هجرية/ 1193 ميلادية والتي كان يتوصل إليها من خلال هذا الباب.

كما وعرف هذا الباب بباب المتوضأ في زمن مجير الدين (15)، والذي أشار إلى إعادة تجديده في الفترة المملوكية على يدي الأمير علاء الدين البصيري.


9) بابي السلسلة والسكينة : (دليل الموقع –57)

يعتبر هذان البابان من أبواب الحرم الشريف القديمة، حيث ورد ذكرهما في المصادر التاريخية المبكرة .

فقد أشار له ابن الفقيه باسم باب داود (المقصود باب السلسلة)، وما ابن عبد ربه فقد ذكر الأثنين: باب داود وباب السكينة .

وقد أطلق عليه، على ما يبدو في الفترة المملوكية اسماً غربياً وهو باب السحرة (16).

وعلى ما يبدو أن تاريخ البناء الحالي لهذين البابين، يعود للفترة الأيوبية وذلك اعتماداً على العناصر المعمارية والفنية لهما وبخاصة استخدام الأعمدة الرخامية الملفوفة أو المثعبنة والتي سادت في هذه الفترة .

كما وجرت عليهما ترميمات مختلفة في الفترة المملوكية .

10) باب المغاربة : (دليل الموقع – 58)

وقد عرف هذا الباب أيضاً باسم باب حارة المغاربة (17)، وباب البراق (18)، وباب النبي (19) .

هذا وقد أعيد البناء الحالي لهذا الباب في الفترة المملوكية، في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة 713 هجرية/ 1313 ميلادية (20).

الأبواب المغلقة:

الأبواب المغلقة الواقعة في الجهة الجنوبية:

يقوم في السور الجنوبي للحرم الشريف ثلاثة أبواب مغلقة، والتي تم إغلاقها على ما يبدو منذ الفتح الصلاحي وذلك لحماية أمن الحرم الشريف من غزوات الصليبيين المتكررة .

وقد اصطلح عليها أثرياً: بالباب المنفرد والباب الثلاثي، والباب المزدوج الذي هو أهمها تاريخياً ومعمارياً .

ومن المحتمل أن يكون الباب المنفرد هو نفسه باب العين (نسبة لوجهته إلى عين سلوان) الذي ذكره خسرو (21) .

وأما الباب الثلاثي فمن المحتمل أن يكون هو نفسه الباب الذي ذكره المقدسي (22) باسم أبواب محراب مريم، ذلك ان الباب الثلاثي يتألف من ثلاثة عقود حجرية كونت ثلاث فتحات أو أبواب، فضلاً عن أنه يقوم بالقرب من محراب مريم الواقع في مسجد مهد عيسى في الجهة الجنوبية الشرقية للحرم الشريف .

وأما الباب المزدوج وهو أهمها، والذي نرجح أن يكون هو نفسه الذي ذكره ابن الفقيه والمقدسي وخسرو (23) باسم باب النبي، والذي ذكره ابن عبدربه باسم باب محمد (24).

لقد بات واضحاً أن تاريخ بناء هذا الباب يعود للفترة الأموية وذلك من خلال العناصر المعمارية والفنية التي يمتاز بها، وبخاصة الزخارف النباتية المنحوتة في الأفاريز الحجرية التي تعلو مدخلي الباب نفسه، والتي تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في أفاريز الباب الذهبي (باب الرحمة)، وكذلك قصر المشتى في الأردن واللذان يعودان للفترة الأموية (25) .

ومن المعتقد أن هذا الباب (باب النبي)، كان مفتوحاً في الفترات الإسلامية المبكرة (الأموية والعباسية والفاطمية) حيث كان يؤدي إلى الرواقين أسفل المسجد الأقصى (اللذان عرفا بالأقصى القديم)، والذي ينتهي أحدهما إلى سلم حجري يتوصل من خلاله إلى ساحة الحرم الشريف. فضلاً عن أنه كان باباً رئيساً يوصل ما بين دار الإمارة الأموية والمسجد الأقصى .

وأما الأبواب المغلقة الواقعة في الجهة الشرقية فهما اثنان: الباب الذهبي وباب الجنائز:

ويعتبر الباب الذهبي من أقدم أبواب الحرم الشريف وأضخمها عمارة، قوامه واجهتين معماريتين لرواقين أقيما على أعمدة رخامية أسطوانية. وقد عرفت الواجهة الخارجية المطلة إلى جهة الشرق باسم باب التوبة، والواجهة الداخلية المطلة إلى الغرب (على ساحة الحرم) بباب الرحمة .

وإن العناصر المعمارية والفنية لهذا الباب لتعود للفترة الأموية، والتي أبرزها تلك الأفاريز الرخامية المنحوتة والواقعة في الواجهة الداخلية للباب والتي احتوت على زخارف نباتية عكست في أسلوبها ونمطها تلك الزخارف التي سادت في الفترة الأموية. ذلك أنها تشبه تلك التي احتوتها الزخارف الفسيفسائية والرخامية في قبة الصخرة المشرفة، وكذلك الزخارف المنحوتة والموجودة في قصر المشتى في الأردن والذي تم بناؤه في الفترة الأموية. حيث كان لا بد للأمويين الذين اهتموا بإبراز الطابع المعماري الإسلامي في منطقة الحرم، أن يقيموا باباً كبيراً في الجهة الشرقية للحرم ليتناسب والتصميم الهيكلي والطابع المعماري الذي اختطوه في الفترة الأموية .

وقد عرف هذا الباب في المصادر التاريخية الإسلامية المبكرة باسم باب الرحمة وباب التوبة ما ورد عند ابن الفقيه، وابن عبد ربه، وبابي الرحمة كما ورد عند المقدسي .

وأما شهرته بالباب الذهبي، فقد عرفت على ما يبدو منذ الاحتلال الصليبي للقدس، كما وعرف أيضاً بباب توما توما .

هذا وقد استخدم هذا الباب كجامع عرف بجامع الرحمة في أيام العمري وذلك لكونه مغلقاً (26) . كما وبني فوقه زاوية كان قد أقام بها حجة الإسلام الإمام الغزالي  والتي تم ذكرها عند مجير الدين حيث قال (27) :

((وكان على علو هذا المكان الذي علي باب الرحمة زاوية تسمى الناصرية. وكان بها الشيخ نصر المقدسي يقرأ العلم مدة طويلة. ثم أقام فيها الإمام أبو حامد الغزالي. فسميت الغزالية. ثم عمرها الملك المعظم بعد ذلك (المقصود السلطان الملك المعظم عيسى الأيوبي). وقد خربت، ولم يبق الآن لها أثر سوى بعض بناء مهدوم)) .

ومن الجدير بالتنويه أنه قد لفقت حول هذا الباب القصص والروايات والأساطير الخيالية التي لا يتقبلها أي منطق .

وأما الباب الثاني المغلق والواقع في السور الشرقي للحرم الشريف إلى الجنوب من الباب الذهبي هو باب الجنائز والذي سمي كذلك لخروج الجنائز منه قديماً إلى مقبرة الرحمة (28) .

الأقصى القديم

إن ما اصطلح عليه بالأقصى القديم خطأ هو عبارة عن مبنى الباب المزدوج (باب النبي) الذي ذكرناه سابقاً، والذي يتألف من الرواقين القائمين أسفل بناء المسجد الأقصى والممتدان من الجنوب إلى الشمال، حيث ينتهي الرواق الغربي منهما بجدار مغلق، وأما الرواق الشرقي فينتهي بالسلم الحجري الذي يتوصل من خلاله إلى ساحة الحرم الشريف .

وعليه فإن ما يعرف بالأقصى القديم ما هو إلا باب من الأبواب الرئيسة التي أنشأها الأمويون في الجهة الجنوبية للحرم الشريف، ليوصل ما بين دار الإمارة الأموية الواقعة إلى الجنوب من منطقة الحرم الشريف وبين المسجد الأقصى .

إسطبل سليمان

إن ما يعرف بإسطبل سليمان، هو عبارة عن التسوية المعمارية التي بناها الأمويون في ذلك الموقع ليتسنى لهم من بناء المسجد الأقصى على أرضية سوية وأساسات متينة، حيث قاموا ببناء تلك الأروقة الحجرية القائمة على دعامات حجرية قوية والتي شكلت هذه القطاعات الضخمة التي نراها اليوم.

وقد فتحوا فيها أبواباً عرفت عند المقدسي بأبواب محراب مريم وهي نفسها الباب المصطلح عليه اليوم الباب الثلاثي الذي ذكرناه سابقاً .

وقد كان هذا الباب مفتوحاً في الفترات الإسلامية المبكرة وبخاصة الأموية، فقد وصل ما بين دار الإمارة وتلك القاعات (إسطبل سليمان) التي من المحتمل أنها استخدمت كمخازن لدار الإمارة وليس إسطبلاً .

هذا وإن ما يطلق على هذا الأثر الإسلامي من اسم "إسطبل سليمان" لهو إطلاق متأخر يعود للفترة الصليبية، حيث استخدمه الصليبيون كإسطبل لخيولهم في ذلك الوقت إهانة لقدسية المكان وإسلاميته، ونسبوه إلى سليمان اعتقاداً منهم أن الموقع يعود لفترة سليمان عليه السلام .


الحواشي والملاحظات (أبواب الحرم الشريف)

1.  عن مرمرجي (1978)، 335 .

2.  عن مرمرجي (1978)،337 .

3.  عن مرمرجي (1978)، 341 .

4.  عن مرمرجي (1978)، 342-348 .

5.  راجع أروقة الحرم الشريف .

6.  Van Berchem (1925) , II , 140

7.  مجير الدين (1973)، ج2، 30 .

8.  راجع أروقة الحرم الشريف . < الثلاثي/span> class="MsoNormal" dir="RTL" style="margin-right:36.0pt;margin-left:0cm; text-align:right;mso-list:l1 level1 lfo3;tab-stops:list 36.0pt;direction: rtl;unicode-bidi:embed">

العمري (1924)، 160 .

9.  يقول مجير الدين إنه عرف قديماً بباب ميكائيل ولكننا لم نجد هذا الاسم في المصادر التاريخية المبكرة، فعلى ما يبدو أنه نقل عن السيوطي الذي ذكره أيضاً .

10. Van Berchem (1925), II, 57.

11. الأمير تنكز الناصري هو أحد النواب المماليك البارزين والذي كان له الفضل الكبير في عمارة العديد من المنشآت المملوكية في القدس أهمها سوق القطانين وخان تنكز الواقع فيه .

12. Mamluk Jerusalem (1987), 273-279

13. السيوطي (1982)، ق1، 205 .

14. مجير الدين (1973)، ج2، 31 .

15. العمري (1942)، 163 .

16. العمري (1942)، 163 .

17. السيوطي (1982)، ق1، 205 .

18. مجير الدين (1973)، ج2، 31 .

19. Mamluk Jerusalem (1987), 193-194

20. عن مرمرجي (1978)، 342-348 .

21. المقدسي (1906)، 170 .

22. عن مرمرجي (1978)، 335، 341-349 .

23. عن مرمرجي (1978)، 337 .

24. Creswell (1968) , 124-134

25. العمري (1942)، 154 .

26. مجير الدين (1973)، ج2، 28 .

27. مجير الدين (1973)، ج2، 28 .



مساطب الحرم الشريف

المسطبة في الحرم الشريف هي ذلك المكان المرتفع المربع أو المستطيل الشكل والمرتفع عن مستوى سطح الأرض (ساحة الحرم)، والتي بنيت من الحجارة وبلط سطحها بالبلاط الحجري، وعمل فيها أحياناً محراب أو حائط في اتجاه القبلة، هذا وقد أنشئت لغرضي الصلاة والتدريس معاً، خاصة في فصل الصيف .

هذا ويقوم اليوم في ساحة الحرم الشريف قرابة الثلاثين مسطبة، والتي انتشرت بصورة عشوائية في جهاته الأربعة .

وعلى ما يبدو أن فكرة إنشاء هذه المساطب، والتي تركزت في الجهة الغربية لساحة الحرم الشريف، قد شاعت في الفترة العثمانية، وذلك لاستخدامها للصلاة وإقامة حلقات التدريس عليها في ايام الصيف .

ذلك أننا لا نكاد نجد سوى خمس منها كانت قد أنشئت في الفترة المملوكية أما بقيتها فقد تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .

ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك، قامت بترميم عدة مساطب في الجهة الشرقية للحرم الشريف وبخاصة في منطقة باب الرحمة، وذلك في الفترة الواقعة ما بين (1969-1979م) .

وقد ارتأينا أن نورد قائمة بمساطب الحرم الشريف وفق المسح الأثري الذي قام به قسم الآثار الإسلامية التابع لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، والمثبتة في خريطة الحرم الشريف الصادرة عن مجلة هدى الإسلام التابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس الشريف .

الفترة المملوكية : (دليل الموقع / 60-62)

1. مسطبة الظاهر: والتي أنشئت في سنة 795 هجرية/ 1392 ميلادية.

2. مسطبة البصيري: والتي أنشئت في سنة 800 هجرية/ 1397 ميلادية.

3. مسطبة سبيل قايتباي: والتي أنشئت في سنة 860 هجرية/ 1455 ميلادية .

الفترة العثمانية : (دليل الموقع 63-65)

(المساطب المؤرخة)

1. مسطبة سبيل سليمان: والتي أنشئت في سنة 943 هجرية/ 1536 ميلادية.

2. مسطبة علي باشا: والتي أنشئت في سنة 1047 هجرية/ 1637 ميلادية .

3. مسطبة الطين: والتي أنشئت في سنة 1174 هجرية/ 1760 ميلادية .

الفترة العثمانية : (دليل الموقع/ 66-83)

(المساطب غير المؤرخة)

1.  مسطبة باب الحديد

2. مسطبة باب القطانين.

3. مسطبة باب القطانين الشمالية .

4. مسطبة سبيل الشيخ بدير .

5. مسطبة سبيل قاسم باشا .

6. مسطبة قبة موسى .

7. مسطبة الفخرية .

8. مسطبة باب المغاربة .

9. مسطبة جامع المغاربة الشرقية .

10.  مسطبة الصنوبر .

11.  مسطبة الزهور .

12.  مسطبة المتوضأ .

13.  مسطبة الجنائز .

14.  مسطبة الكرك.

15.  مسطبة كرسي سليمان .

16.  مسطبة قبة سليمان .

17.  مسطبة سبيل شعلان .

وأما المساطب التي رممت في الفترة الحديثة والواقعة في الجهة الشرقية للحرم الشريف فهي: المصطبتان الشرقيتان ومصطبة القنطرة الشرقية ومصطبتي الباب الذهبي ومصطبة صبرا وشاتيلا .

المتحف الإسلامي :

قام بتأسيسه المجلس الإسلامي الأعلى في سنة 1923 م، حيث كان مقره في بادئ الأمر في مبنى الرباط المنصوري. وفي سنة 1929 م تم نقله إلى مقره الحالي بجامع المغاربة الواقع في الزاوية الجنوبية الغربية لباحة الحرم الشريف .

ويحتوي المتحف على الكثير من نوادر التحف الإسلامية المختلفة، والتي تعكس معظم الفنون التطبيقية التي سادت عبر التاريخ الإسلامي .

فهناك مخطوطات المصاحف النادرة، والتي يقدر عددها بحوالي (650) مصحفاً مخطوطاً، فضلاً عن الوثائق المملوكية التي زاد عددها عن (900) وثيقة، والتي تعتبر من أهم الوثائق التاريخية في التاريخ الإسلامي .

وهناك أيضاً العديد من مجموعات الفنون التطبيقية الأخرى، والتي اشتملت على مجموعات من روائع القطع الفنية الإسلامية، مثل: الخزف والفخار والزجاج والنقوش الحجرية، إضافة إلى مجموعات من العملة (النقود) الإسلامية المهمة وغيرها .

هذا وقد أعيد تنظيم المتحف في الفترة الأخيرة حيث افتتح للزوار مرة أخرى في آب سنة 1980 .

مكتبة الأقصى :

وقد كتب عنها المؤرخ المقدسي العسلي في كتابه "معاهد العلم في بيت المقدس"، ص 375، ما نصه: ((افتتحت هذه المكتبة في سنة 1922م في القبة النحوية، ونقلت فيما بعد إلى المدرسة الأسعردية شمالي الحرم، ونقلت بعد ذلك إلى المتحف الإسلامي، ثم نقلت في الفترة الأخيرة إلى المدرسة الأشرفية مقرها الحالي .

وقد ذكر أمين المكتبة الحالي أن عدد مجلدات مكتبة المسجد الأقصى حالياً يبلغ حوالي أربعة عشر ألف مجلد، وقد نقلت إليها من المتحف مكتبة الشيخ خليل الخالدي ومكتبة الشيخ محمد الخليلي. وبالإضافة إلى الكتب والمخطوطات العربية تضم مكتبة الأقصى عدداً كبيراً من الكتب التركية وكذلك عدداً من الجرائد والمجلات)).